يستلزم مبغوضيته عقلا ، فبالدلالة العقلية تثبت المبغوضية وبالدلالة اللفظية يثبت عدم المحبة.
فيكون مثل هذا التعبير من الحكيم تعالى أوقع في نفوس أهل الإيمان في ترك الفساد من سائر التعبيرات وكذا في نظائر المقام.
وعباد الله المخلصين إنّما يتركون ما لا يحبّه الله تعالى فيزداد إيمانهم وتعلو درجاتهم. ومثل هذه التعبيرات نحو تمييز بينهم وبين غيرهم وبذلك تعرف درجات الإيمان ومراتب كماله.
ثم إنّ الفساد إما شخصي ، أو نوعي ، والجميع إما في المعتقدات أو في العادات أو الملكات والأخلاق أو في الأفعال ، والجميع إما أن يراه صاحبه حسنا أو يكون من الجهل المركب أو يعتقد قبحه ومع ذلك يرتكبه ، ولجملة مما ذكر مراتب مختلفة حتى أنّ ارتكاب المكروهات قد يكون من الفساد سيّما في الأخلاقيات والاجتماعيات.
ولأجل ذلك كرّر سبحانه وتعالى بتعبيرات مختلفة مذمّة الفساد والتحذير عنه ولعلّ أشمل التعبيرات لجميع هذه الخصلة السيئة قوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ).
٢٠٦ ـ قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ).
التقوى : عبارة عن إتيان أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه ، أو الإصلاح وعدم الفساد.
والعزة : حالة تعرض للإنسان مانعة من أن يغلب ، وأصلها القوة والعزيز هو الذي يغلب ولا يغلب ، و (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) أي : حملته قوته التي يراها لنفسه على المخالفة ، وقد اكتسب العزّة من الإثم والنفاق والتفاف المنافقين حوله ، لأنّ كلّ منافق مغرور بقوّته وعزّته وهذه هي الحمية الجاهلية المذمومة ، وكما هو شأن كلّ مغرور بما لديه من القوّة والغلبة عند إرشاده إلى ما فيه صلاحه.