فيوجب ذلك محو نور الفطرة وفساد الأخلاق والفرقة والاختلاف ، وفي ذلك هدم لصرح الإنسانية الشامخ وفناؤها واضمحلال المجتمع الإنساني وإبادته ، وفساد الدّنيا واضطرابها. وأخيرا موت الدّين فتموت الإنسانية بموته فلم يكن الإنسان إلا من الهمج الرّعاع الذين هم أضلّ من الأنعام سبيلا.
ويدل على هذا المعنى ما ورد في بعض الروايات أنّ المراد بالحرث والنّسل هما الدّين والإنسانية.
وفي التاريخ كثير من هؤلاء في مختلف الأمم الذين غلبوا على البلاد وجلبوا الفتن والاضطراب وتصرّفوا في الدّين وما أنزله الله تعالى من الكتاب وأحيوا البدعة وأماتوا الحقّ وأبادوا أهله وانحرفوا عن جادة الصّواب وأعقبوا الدّمار والوبال فكان من سعيهم أنّه شاع الفساد وأصبح الدّين ملعب كلّ لاعب يتصرّف فيه بما شاء وأراد ، فقد أفنوا الإنسانية بسوء صنائعهم وأهلكوا الدّين بفساد الأخلاق وسيبقى الأمر كذلك حتى يغيّر الناس ما بأنفسهم ، قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد ـ ١١].
ومن ذلك يعرف أنّ مورد نزول الآية وإن كان شخصا خاصّا ـ وهو الأخنس بن شريق الثقفي كما يأتي في البحث الروائي ـ ولكن حكمها عام يشمل الجميع ، كما أنّها لا تختص بالمرائي كما قيل ، بل هي عامة تشمل الجميع وفي جميع الملل والقرون أي كلّ من خالف ظاهره باطنه ، وأنّ المرائي أحد أفراده ، وقد ورد عن عليّ (عليهالسلام) : «يدعى المرائي بأربعة أسماء يوم القيامة : يا كافر ، يا مشرك ، يا فاسق ، يا منافق» وإنّ السبب الخاص لا ينافي عموم الحكم ، مع أنّ حكمها من القضايا العقلية.
قوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ).
تقدّم معنى الفساد ، ولا ريب أنّه مبغوض له تعالى ويعاقب عليه.
وإنّما عبّر سبحانه في المقام بأنّه (لا يُحِبُّ الْفَسادَ) وقال تعالى في آية أخرى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص ـ ٧٧] ، وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس ـ ٨١] ، لأنّ فساد شيء وعدم محبته