استعمل في القرآن الكريم في كلّ منهما ، قال تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [التوبة ـ ١١١] ، وقال تعالى :
(وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) [يوسف ـ ٢٠].
والمراد به هنا الأول أي : باع نفسه لله تعالى ، ولا يبتغي إلا إرادته عزوجل ومرضاته ولا يهتم إلا بإصلاح الأمور وتشييد أركان الدّين وإحياء الحق وإماتة الباطل ، ويسعى في سبيل الدّين والإنسانية فلا يريد إلا ما أراده الله تعالى في الأرض ومن عليها وما يريده عزوجل هو الإصلاح ، وقد نصب نفسه لتقويم ما أفسده المفسدون ومن سنته تعالى في خلقه أنّه إذا ظهر رجال أظهروا في الأرض البغي وأشاعوا الفساد أعقبهم رجالا آخرين وهبوا أنفسهم لله تعالى فيقيمون الحق ويميتون الباطل ، فيصلح بهم أمر الدّنيا والدّين ، وبهم ينوّر الله الأرض ويتمّ بهم ما نقص ، وإلا لما قام للدّين عمود ولا اخضرّ للإنسانية عود ، ولم يكن للإنسان اجتماع ، قال تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً) [الحج ـ ٤٠].
ويستفاد من سياق الآية الشريفة : تجدّد الشّراء ودوامه ، وأنّ العوض ليس خصوص رضاء خاص من مراضيه تعالى ، بل كلّ ما يرتضيه وجملة مرضاته ، ولها مراتب لا نهاية لها.
وفي التعبير بالشراء هنا ، وفي قوله عزوجل : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [التوبة ـ ١١١] ، لطف وعناية وجذبة روحانية ، وأدب قرآني ، كما في قوله تعالى : (وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [المزمل ـ ٢٠] ، وإلا كيف يعقل أن يشتري أو يستقرض المالك الحقيقي من المملوك الفقير من كلّ جهة. أو ليس ذات الإنسان وجميع شؤونه منه جلّت عظمته حدوثا وبقاء؟! وهل التوفيق والتأييد لمثل ذلك إلا منه عزوجل؟!! وقد شرح سبحانه وتعالى هذا الشراء في آيات أخرى ، وسيأتي التعرّض لتفسيرها في محلّها إن شاء الله تعالى.