ومن ذلك يظهر سرّ التعبير في قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ).
وجميع ما في الكون من مستحسن |
|
فإليك نسبته وباسمك ينطق |
من مات في دير الهوى بك صبوة |
|
نال الشهادة وهو حيّ يرزق |
من لي سواك أحبّه أو أعشق |
|
ولك الملاحة والجمال المطلق |
هذا كلّه في الإنسان الكامل الذي ارتقى عن حضيض البهيمية إلى أوج الكمال ويقابله أنس النفس بالماديات والرّجوع إلى أقصى درجات حضيض البهيمية ، الذين قد وصفهم سبحانه وتعالى في هذه الآية بقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ* وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ).
ومن ذلك يعرف أنّه إذا لوحظ الإنسان من حيث الإضافة إلى الله جلّت عظمته لا يخلو عن أقسام :
الأول : من حيث كونه مخلوقا ومربوبا له تعالى ، وهذه الإضافة تعمّ جميع الممكنات ولا تختص بالإنسان لأنّ الجميع مخلوق ومربوب له ، وتحت قدرته تعالى وإحاطته ، وتدلّ عليها الأدلة العقلية وجميع الكتب الإلهية.
الثاني : أن تحصل الإضافة من حيث التدبير الظاهري والاقتصار عليه فقط من جهة قصور النفس عن درك ما وراء ذلك ، فيكون مثل اعتضاد بعض الناس لبعضهم من جهة المنافع الدّنيوية فقط. فيطلب من الله تعالى حسنات الدنيا فقط ، لقصور السائل عن إحاطة المسؤول عنه.
الثالث : ما إذا حصلت من جهة الاعتقاد بأنّه تعالى محيط بالدنيا والآخرة إحاطة واقعية حقيقية ، وهو جلّ شأنه فوق الكلّ فيطلب منه حسنات الدنيا والآخرة والوقاية عن عذاب النار.
الرابع : ما تكون الإضافة باللسان فقط ، ويكون ظاهره خلاف باطنه بالنسبة إليه عزوجل ، وهو المنافق والمرائي الذي يرتكب كلّ إثم ، وقد ذمه الله