تكون وتبدل العرض بالجوهر وبالعكس سهل في نظام التكوين فضلا عن قدرة العزيز الحكيم ، والجميع عبارة عن الصراط المستقيم الذي له أطوار من الظهور في عالم البقاء ودار الغرور ، ولكنّ الحقيقة واحدة التي هي عبارة عن العبودية الواقعية ، فهو من أعظم تجلّيات الله تعالى لبني آدم وأعظم عناياته على خلقه ، لأن يخرجه من الظلمات إلى النور.
وكافّة هنا بمعنى الجمع والجميع حال من ضمير الجمع في قوله تعالى (ادْخُلُوا) جيء به ليشمل جميع الأفراد للإعلام بأنّ الأمر متعلّق بالأمة بقدر ما هو متعلّق بالأفراد ، فإنّ الجهات الاجتماعية الإسلامية يتقوّم المجتمع بها كما ينتفع الفرد منها لا محالة ، بقرينة ذكر فرق الناس قبل ذلك.
ويحتمل أن تكون (كَافَّةً) تأكيدا للسّلم فتشمل جميع التكاليف الفردية والاجتماعية ، والكمال الفردي والنوعي.
والأولى أن يكون قوله تعالى : (كَافَّةً) تأكيدا لجميع ما سبق ليشمل جميع ما ذكرناه ، بل بينهما ملازمة في الجملة.
والخطاب للمؤمنين ـ كما ذكرنا ـ لكونهم أفضل الأفراد ، وأقرب إلى الرشاد ، ولتكميل الإيمان بالله تعالى بالتسليم له سبحانه والإخلاص له عزوجل ، والبقاء عليه ، فيكون أمرا بالثبات والدّوام كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) [النساء ـ ١٣٦] فعبّر بالدخول للإشارة إلى أنّ المطلوب في الكمالات المعنوية والمعارف الإلهية إنّما هو الإدامة والبقاء لا مجرّد الحدوث فقط ، بل كلّ فضل وكمال شأنه كذلك ، فإنّ المطلوب فيه هو الاستقامة والدّوام ، لأنّ المعارف الإلهية الحاصلة للنفس بالاختيار إنّما تؤثر في ذات الإنسان بواسطة الملكات الحاصلة منها حتّى تصير النّفس بالمواظبة عليها وممارستها شعاعا من أشعة عالم الغيب على النفس فتنبعث عن الذات الأفعال الخيرية ، فتصبح الذات من الذوات المقدّسة.
فيكون المعنى : يا أيّها الّذين آمنوا اثبتوا على الطاعة والتسليم لأمر الله