وفي جملة من الدّعوات الشريفة المأثورة : «يا من لا يعلم ما هو ولا كيف هو ولا أين هو إلا هو» فإذا كانت الذات هكذا فكلّما ينسب إليها أيضا لا بد أن يكون كذلك.
ولم يقتصر وضع الألفاظ للمعاني بعالم خاص ، بل هي موضوعة للمعاني العامة في جميع العوالم من مادياتها ومجرداتها وغيبها وشهودها فإنّ العلم مثلا بالنسبة إلى عالم عرض قائم بالموضوع ، وفي عالم جوهر في المحلّ ، وفي عالم ثالث عين ذات الواجب الأقدس ، ومع ذلك العلم علم بمفهوم واحد لا يتعدّد ولا يتغيّر ولا يتبدّل.
ومثال آخر تقول : رأيت زيدا في المنام جاءني وقال لي كذا. مع أنّه ليس في الخارج من ذلك شيء. ويأتي ما ذكرناه في الألفاظ المنسوبة إليه عزوجل مثل المقام : (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ). وقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر ـ ٢٢] ، وقوله تعالى : (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) [الحشر ـ ٢] ، وقوله جل شأنه : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) [الزمر ـ ٤٢] ، فإنّها مستعملة في المعنى الحقيقي ، ولكنّ العوالم مختلفة لا أن يكون المعنى متعدّدا ، فقولك : جاءني زيد يشمل مجيئه راجلا وراكبا على الدابة أو في المراكب الحديثة كالسيارة والطائرة وغيرهما ، والمجيء بالخلع واللبس في عالم المعنى. وفي الجميع يصدق مجيء زيد حقيقة ، فيكون إتيان الله تعالى عبارة عن قربه إلى خلقه والإحاطة به لا بمعنى فراغ مكان وإشغال مكان آخر. وسيأتي في نظائر المقام مزيد توضيح إن شاء الله تعالى.