السعادة والقرب من الله تعالى.
وبالعكس لو كانت تلك الملكات هي مجموعة صور عن الأعمال الفاسدة والعلوم الباطلة فتوجب الشقاوة والبعد عن الله تعالى.
ولا ريب في أنّ تلك الملكات تحصل من الأفعال الاختيارية التي تصدر من شعور نفسي كامن في الإنسان أنّه يسعى إلى الكمال وأنّ له مبدءا فياضا يفيض عليه بما يليق به من الكمال لأنّ وصول ذلك الكمال إلى المرتبة الفعلية وتبديل القوة إلى الفعل بحسب اختياره فإن كانت تلك الملكات والأعمال صحيحة وفاضلة توجب السعادة وإلا فالشقاوة والبوار ، ولا يمكن أن يدفع هذا الشعور الباطني في الإنسان إلا اعتقاد الصلاح والفساد الذي يكون منشأ للنبوة العامة.
فتكون سعادة السعداء وشقاوة الأشقياء دخيلتين في نظام العالم ، لأنّ الإنسان أعظم المخلوقات وأفضل الموجودات ، فهذا الموجود العجيب الذي خلق لأجله ما في البرّ والبحر ، وسخّر الله له الليل والنّهار ، فهو بوجوده النوعي غاية الخليقة ، ولم يبارك الله جلّت عظمته على نفسه في جميع مخلوقاته بمثل ما بارك في خلق هذه الجوهرة الثمينة والدّرّة اليتيمة ، فهو مع ذلك كلّه معرض الكون والفساد ، وتزاحم الأضداد ، وإهمال تربية مثل هذا الموجود العظيم يكون نقضا في النظام الأحسن. وهذا الأمر الفطري الوجداني هو منشأ التشريعات السّماوية ، وإرسال الرّسل وبعث الأنبياء ، ويمكن تسمية ذلك بقاعدة اللطف كما سماه أهل الفلسفة والكلام. ولا بأس بذلك إذ لا مشاحة في الاصطلاح.
هذه خلاصة الدّليل العقلي للنبوة العامة ، وينطبق على النبوة الخاصة أيضا.
قد يقال : إنّ في ذلك تعطيل العقل الذي أودعه الله تعالى في الإنسان وشرّفه به على جميع من عداه ، فإنّ العقل بانفراده يكون كافيا للدّاعوية في السّير إلى الاستكمال ، فلا يحتاج إلى النبوة والخلافة الإلهية.