وفي الآية التفات من الغيبة إلى خطاب المؤمنين بعد ما نزّلوا منزلة الغيبة في أول الكلام ، والعدول عنهم في أثنائه ثم الرجوع إليهم بالخطاب معهم ، وذلك لوجوه بلاغية.
قوله تعالى : (وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ).
المثل ـ بكسر الميم وسكون الثاء ، أو بفتحتين ـ ، كالشّبه والشّبه ، وهو وصف الشيء وبيان نعوته التي توضحه ، وتضرب الأمثال للامتحان والابتلاء.
ومادة (خ ل و) تستعمل في المكان والزمان. وإذا استعملت في الثاني تكون بمعنى المضيّ ، والذهاب ، والانقضاء ، قال تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) [آل عمران ـ ١٤٤] ، وقال تعالى : (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) [الرعد ـ ٦] ، وقال تعالى : (سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ) [غافر ـ ٨٥] ، ولها استعمالات كثيرة في القرآن الكريم بهيئات مختلفة ، وكذلك في السنة المقدّسة ففي الحديث «إنّ الله تعالى خلو من خلقه ، وخلقه خلو منه». والمراد به المباينة لا العزلة ، كما فسر في أحاديث أخرى.
والمعنى : يا أيّها المؤمنون كيف تتوهمون وتطمعون أن تدخلوا الجنة ولما يجر عليكم ما جرى على الصالحين من قبلكم في شؤون دينهم ودنياهم ، فإنّكم تبتلون وتمتحنون بمثل ما جرى على الغابرين فإنّ الطريق المسلوك واحد ، فكلّما جرى على السالكين الواصلين إلى المطلوب يجري على اللاحقين لوحدة المبدأ ، والغاية ، والسلوك.
وفي الآية تسلية لنبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) وأصحابه مما كانوا يلاقونه من المشركين المعاندين من صروف البلاء وأنواع الأذى.
قوله تعالى : (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا).
بيان للمثل الذي ذكره سبحانه فيما تقدم.
و (المس) : هو اللمس إلا أنّ الثاني أعم من الأول ، لأنّه لا يقال في