أحدهما : أن يكون الداعي داعيا بحسب الحقيقة كما يدل عليه قوله تعالى : (إِذا دَعانِ) فلا بد للداعي الذي يدعو لحاجته أن يكون عالما بحقيقة الدعاء صادقا عليه التوجه إلى الله جل شأنه ، ومتوجها إليه صادرا عن معرفة بحكمته وسعة رحمته دون ما يدور في اللسان مع الغفلة عنه تعالى ، وترشد إلى ذلك الآيات التي تدل على استجابة السؤال إذا كان عن فطرة مثل قوله تعالى : (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن ـ ٢٩] ، وذلك لأنّ الاستحقاق كان بحسب الذات فالسؤال كان عن الفطرة ، ومن ذلك يظهر السر في إطلاق السؤال دون الدعاء على السؤال الصادر عن الفطرة وإن لم يكن للسان فيه عمل ، وهذا بخلاف الدعاء.
والأمر الثاني ما ذكره تعالى بعد ذلك :
قوله تعالى : (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي).
أي أنّهم إذا أرادوا الإجابة والاستجابة ، وإذا كان الله تعالى قريبا منهم لا يحول بينه وبين دعائهم شيء فلا بد لهم من الاستجابة فيما دعاهم إليه والعمل بما أمرهم من الإيمان والعبادات التي فيها صلاحهم وسعادتهم ورشدهم ، ولا بد لهم من الإيمان بما يتصف به من الصفات الحسنى ، ولا بد لهم من المعرفة بأنّه قريب يجيب دعوة الداع.
قوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
الرشاد : ضد الغي. أي أنّ الأعمال والدعاء إذا صدرت عن روح الإيمان يكون صاحبها راشدا مهتديا ، وقد تقدم الوجه في إتيان كلمة [لعلّ] في أمثال المقام.