السادس : إنّ قوله تعالى : (إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) يدل على شروط استجابة الدعاء أحدها سيق لبيان الموضوع ، وهو قوله تعالى : (إِذا دَعانِ) فإنّه معلوم مما قبله ولكنّه ذكر لأجل التنبيه على أنّه ليس كل من يدعو الله لحاجة هو داعيا لله بحقيقة الدعاء لفقد الانقطاع وعدم التوجه إليه تعالى فلا يكون هناك مواطاة بين القلب واللسان ولا يكون دعاء بل التبس الأمر على الداعي فيسأل ما يجهله أو ما لا يريده لو انكشف الأمر له ، أو يكون سؤال لكن لا من الله تعالى وحده ، ولذا ورد إنّ الله لا يستجيب دعاء من قلب لاه متعلق بالأسباب المادية أو الأمور الوهمية فلم يكن دعاؤه خالصا لوجه الله تعالى فلم يسأله بالحقيقة ، وهذا هو المستفاد من مجموع الآيات الواردة في الدعاء والأحاديث الشارحة لها.
السابع : إنّ إفراد الضمير في (عنّي) و (إنّي) و (أجيب) فيه إشارة إلى أنّ إجابة الدعاء منحصرة به تعالى ولا دخل لغيره فيها لأنّه تصرّف من عالم الملكوت الأعلى في عالم الملك الأسفل ولا يليق بذلك غيره عزوجل. نعم الاستشفاع والتوسل بعباد الله الصالحين الذين جعلهم الله تعالى واسطة الفيض لديه شيء آخر لا ربط له بإجابة الدعاء ، كما لا يخفى.
مع أنّ الحنان والرأفة وجذب الداعي إلى مقام القرب يقتضي توحيد الضمير لئلا يعرض على قلب الداعي هيبة العظمة فتشغله عمّا يحتاجه من قليل أو كثير.
كما أنّ في تكرار ضمير الإفراد في (عنّي) و (إنّي) إشارة إلى أنّ المسؤول عنه نفس القريب المجيب وعينه ولا فرق إلا بالاضافة الاعتبارية. فإنّه إذا أضيف إلى السائل يكون مسئولا عنه وإذا أضيف إلى نفسه الأقدس يكون قريبا مجيبا وإن كانت إضافته من صفات فعله لا من صفات ذاته ، وفي المقام سرّ آخر ، لعله يظهر في الآيات المناسبة.