الثاني : الوجه في إلقاء الخطاب إلى الرسول (صلىاللهعليهوآله) بقوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ) لأنّه (صلىاللهعليهوآله) قائد الأمة ورأسها ورئيسها بل إنّ ذلك ثابت له بالنسبة إلى جميع الخليقة للإشارة إلى أنّ الدعاء لا بد من وروده من بابه وهو خاتم الأنبياء فإنّه الواسطة في الفيوضات الإلهية وخاتمة جميع المعارف الربوبية ، فهو الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل.
وفيه نحو تعليم للناس في أن يسألوا أمهات الأمور الدينية من النبي (صلىاللهعليهوآله) أو من يتبع طريقه علما وعملا ، مع أنّ أسرار الحبيب لا يعرفها إلا الحبيب.
الثالث : إنّ شأن العبد بالنسبة إليه عزوجل هو الدعاء ، وقد وعد تعالى الإجابة إن كان الدعاء جامعا للشرائط (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) [آل عمران ـ ٩]. وأما السؤال عن كنهه وذاته سبحانه وتعالى فهو مرغوب عنه إذ لا يدرك الممكن كثيره ولا ينفع قليله ، بل ربما يضر ، ولذا ورد النهي في السنة عن التعمق في ذاته تعالى ، ويستفاد ذلك من قوله تعالى : (فَإِنِّي قَرِيبٌ) ولا معنى للسؤال عما هو قريب حاضر.
ومن العجائب أن أكون مسائلا |
|
عن حاضر لا زلت أصحبه معي |
الرابع : تكريم الداعي السائل بالاضافة التشريفية المعبودية في قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي) وفيه من الأدب ما لا يخفى وتعليم للعلماء باحترام السائل عن الحق.
الخامس : تضمين الأمر بالدعاء معنى الإجابة في قوله تعالى : (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) فإنّه بشارة باستجابة الدعاء ثم التأكيد بقوله تعالى : (وَلْيُؤْمِنُوا بِي) فإنّه سواء كان خاصا بخصوص هذه الآية أم عاما لجميع التشريعات فإنّه يدل على تحقق مفاد الآية واتباع ذلك بقوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) وهو تأكيد آخر ، ولبيان أنّ الدعاء سبب الرشد الذي هو إصابة الحق والخير ، وإليه يشير قول نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : «إنّ أعجز الناس من عجز عن الدعاء ، وأبخل الناس من بخل عن السلام».