أقول : يظهر وجهه مما سبق.
وعن ابن عباس : «قالت اليهود كيف يسمع ربّنا دعاءنا وأنت تزعم أنّ بيننا وبين السماء خمسمائة عام وغلظ كل سماء ذلك؟ فنزلت الآية : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
وروي أنّ قوما قالوا للنبي (صلىاللهعليهوآله) : «أقريب ربّنا فنناجيه أم بعيد ربنا فنناديه؟ فنزلت الآية المباركة».
وروي أنّ سبب نزولها : «أنّ النبيّ (صلىاللهعليهوآله) سمع المسلمين يدعون الله بصوت رفيع في غزوة خيبر فقال لهم النبي (صلىاللهعليهوآله) : أيّها الناس أربعوا على أنفسكم فإنّكم لا تدعون أصمّا ولا غائبا إنّكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم».
أقول : يمكن أن تكون جميع هذه الأخبار معتبرة كل بحسب طائفة وقوم فتختلف باختلاف الجهات.
أما الأول : فبحسب مزاعم اليهود حيث زعموا أنّ سمع الله يكون كسمعنا يحجب بالحجاب ، ولكنّه باطل ، لأنّ المراد بسمعه تبارك وتعالى : العلم بالمسموعات والإحاطة بها كما في جملة من الروايات ، ولذا لا يشغله سمع عن سمع لأنّ علمه الإحاطي يشتمل على جميع ما سواه.
أما الثاني : فيكشف عن جهلهم بالحقائق.
وأما الأخير : فهو ناش عن سوء أدبهم ، فإنّ الآية المباركة ترشد إلى نبذ بعض العادات السيئة التي كانت سائدة عندهم فيكون مثل قوله تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) [النور ـ ٦٣] ، وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [الحجرات ـ ٤].