قوله تعالى : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ).
جملة مستأنفة فيها من التعليل للحكم السابق أي : أنّ سبب الإحلال هو كثرة المخالطة وقلة الصبر عنهنّ.
ومادة : (ل ـ ب ـ س) تأتي بمعنى ستر ما يقبح إظهاره غالبا ، واللباس ما يستر به ، وحيث أنّ كلّ واحد من الزوجين يستر الآخر من الوقوع في الحرام أو يستر قبائح الآخر سمي كل واحد منهما لباسا ، كما أنّ التقوى تستر جميع القبائح عبّر عنها باللباس في قوله تعالى : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف ـ ٢٦]. وقد تأتي بمعنى مطلق الستر قال تعالى : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ) [البقرة ـ ٤٢] ، وقال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) [الأنعام ـ ٨٣].
وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم بهيئات مختلفة تتعلق بالدنيا والآخرة ، قال تعالى في شأن أهل الجنة : (وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) [فاطر ـ ٣٣] ، وقال تعالى : (وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) [الكهف ـ ٣١]. وقد يستعمل لكل ساتر قال تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) [النبأ ـ ١٠] ، ولم يستعمل اللباس بالنسبة إلى أهل النار وإن استعمل لفظ الثياب قال تعالى : (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) [الحج ـ ١٩] ، وربما يكون الوجه في ذلك أنّ اللباس يدل على نحو اهتمام وعناية باللابس ولا يليق أهل النار بذلك.
وفي الكلام من اللطف والحسن ما لا يخفى ، وفيه من الاستعارة لأعظم أمر اجتماعي وهي الحياة الزوجية ، كما أنّ فيه من الترغيب إلى حسن المعاشرة والملاطفة والاعتناء بالحياة الزوجية كما يعتني الإنسان بلباسه وثيابه فيصح التعبير عن الزوجة بلباس الزوج ، كما يصح التعبير عنها بالفراش قال نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : «الولد للفراش» وقال تعالى : (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) [الواقعة ـ ٣٤] ، أي مرتفعة عن الأقذار.
قوله تعالى : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ).