قوله ـ تعالى ـ (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ).
أنشأ : أى أوجد وخلق. والجنات : البساتين والكروم الملتفة الأشجار.
ومعروشات : أصل العرش في اللغة شيء مسقف يجعل عليه الكرم وجمعه عروش ، يقال عرشت الكرم أعرشه عرشا من بابى ـ ضرب ونصر ـ ، وعرشته تعريشا إذا جعلته كهيئة السقف. فالمادة تدل على الرفع ومنها عرش الملك. قال ابن عباس : المعروشات. ما انبسط على الأرض وانبسط من الزروع مما يحتاج إلى أن يتخذ له عريش يحمل عليه ، كالكرم والبطيخ والقرع ونحو ذلك. وغير المعروشات ما قام على ساق واستغنى باستوائه وقوة ساقه عن التعريش كالنخل والشجر.
وقيل المعروشات وغير المعروشات كلاهما في الكرم خاصة ، لأن منه ما يعرش ومنه ما لا يعرش بل يبقى على وجه الأرض منبسطا.
وقيل المعروشات ما غرسه الناس في البساتين واهتموا به فعرشوه من كرم أو غيره ، وغير المعروشات. هو ما أنبته الله في البراري والجبال من كرم وشجر.
أى : وهو ـ سبحانه ـ الذي أوجد لكم هذه البساتين المختلفة التي منها المرفوعات عن الأرض ، ومنها غير المرفوعات عنها ، فخصوه وحده بالعبادة والخضوع.
وقوله : (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) عطف على جنات ، أى : أنشأ جنات ، وأنشأ النخل والزرع ، والمراد بالزرع جميع الحبوب التي يقتات بها.
وإنما أفردهما مع أنهما داخلان في الجنات لما فيهما من الفضيلة على سائر ما ينبت في الجنات.
و (مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) أى ، ثمره وحبه في اللون والطعم والحجم والرائحة.
والضمير في أكله راجع إلى كل واحد منهما ، أى : النخل والزرع والمراد بالأكل المأكول أى ، مختلف المأكول في كل منهما في الهيئة والطعم.
قال الجمل : وجملة. (مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) حال مقدرة ، لأن النخل والزرع وقت خروجه لا أكل منه حتى يكون مختلفا أو متفقا ، فهو مثل قولهم : مررت برجل معه صقر صائدا له غدا».
وقوله : (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) أى : وأنشأ الزيتون والرمان متشابها في المنظر وغير متشابه في الطعم أو متشابها بعض أفرادهما في اللون أو الطعم أو الهيئة «وغير متشابه في بعضها.
قال القرطبي : وفيه أدلة ثلاثة.
أحدها : ما تقدم من قيام الدليل على أن المتغيرات لا بد لها من مغير.