وقال محمد بن الحسن : اتفق الفقهاء جميعا على الإيمان بالصفات من غير تفسير ولا تشبيه.
وقال الإمام الرازي : إن هذا المذهب هو الذي نقول به ونختاره ونعتمد عليه.
وذهب بعض علماء الخلف إلى وجوب صرفه ـ أى الاستواء ـ عن ظاهره لاستحالته ، وأن المراد منه ـ كما قال الإمام القفال ـ أنه استقام ملكه ، واطرد أمره ونفذ حكمه ـ تعالى ـ في مخلوقاته ، والله ـ تعالى ـ دل على ذاته وصفاته وكيفية تدبيره للعالم على الوجه الذي ألفوه من ملوكهم واستقر في قلوبهم «تنبيها على عظمته وكمال قدرته» وذلك مشروط بنفي التشبيه ، ويشهد بذلك قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) (١).
هذا وللعلماء كلام طويل حول هذه المسألة التي تتعلق بالمحكم والمتشابه فليرجع إليها من شاء.
وقوله : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) التغشية : التغطية والستر ، أى : يجعل الليل غاشيا للنهار مغطيا له فيذهب بنوره ، ويصير الكون مظلما بعد أن كان مضيئا ، ويجعل النهار غاشيا لليل فيصير الكون مضيئا بعد أن كان مظلما ، وفي ذلك من منافع الناس ما فيه وبه تتم الحياة ، وهو دليل القدرة والحكمة والتدبير من الإله العلى العظيم.
ولم يذكر في هذه الآية يغشى الليل بالنهار اكتفاء بأحد الأمرين عن الآخر كقوله ـ تعالى ـ : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) أو لدلالة الحال عليه ، أو لأن اللفظ يحتملهما : يجعل الليل مفعولا أول والنهار مفعولا ثانيا أو بالعكس.
والآية الكريمة من باب أعطيت زيدا عمرا ، لأن كلا من الليل والنهار يصلح أن يكون غاشيا ومغشيا ، فوجب جعل الليل هو الفاعل المعنوي ، والنهار هو المفعول من غير عكس لئلا يلتبس المعنى.
وقد قال ـ تعالى ـ في آية أخرى : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ).
وقوله : (يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) أى : يطلب الليل النهار أو كلاهما بطلب الآخر طلبا سريعا حتى يلحقه ويدركه ، وهو كناية عن أن أحدهما يأتى عقب الآخر ويخلفه بلا فاصل ، فكأنه يطلبه طلبا سريعا لا يفتر عنه حتى يلحقه.
والحث على الشيء : الحض عليه. يقال : حث الفرس على العدو يحثه حثا صاح به أو وكزه برجل أو ضرب. وذهب حثيثا أى : مسرعا.
__________________
(١) تفسير صفوة البيان. ص ٢٦٣ لفضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف.