والجملة حال من الليل ، لأنه هو المتحدث عنه أو حال من النهار أى : مطلوب حثيثا ، أو من كل منهما على الرأى الثاني الذي يفسر «يطلبه حثيثا» بأن كليهما يطلب الآخر.
وقوله : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) أى : وخلق الشمس والقمر والنجوم كونهن مذللات خاضعات لتصرفه ، منقادات لمشيئته ، كأنهن مميزات أمرن فانقدن ، فتسمية ذلك أمر على سبيل التشبيه.
قال الآلوسى : ويصح حمل الأمر على الإرادة. أى : هذه الأجرام العظيمة والمخلوقات البديعة منقادة لإرادته : ومنهم من حمل الأمر على الأمر الكلامى وقال : إنه ـ سبحانه ـ أمر هذه الأجرام بالسير الدائم والحركة المستمرة على الوجه المخصوص إلى حيث شاء ولا مانع أن يعطيها الله إدراكا وفهما لذلك (١)».
وقرأ الجمهور بنصب الألفاظ الثلاثة على أنها معطوفة على السموات ، أى : خلق السموات وخلق الشمس والقمر والنجوم. وبنصب (مُسَخَّراتٍ) أيضا على أنها حال من هذه الثلاثة.
وقرأ أبو عامر بالرفع في جميعها على الابتداء والخبر مسخرات.
وقوله : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) ألا : أداة يفتتح بها القول الذي يهتم بشأنه لأجل تنبيه المخاطب لمضمونه وحمله على تأمله. والخلق : إيجاد الشيء من العدم. والأمر : التدبير والتصرف على حسب الإرادة لما خلقه. فهو ـ سبحانه ـ الخالق والمدبر للعالم على حسب إرادته وحكمته لا شريك له في ذلك.
وهذه الجملة الكريمة كالتدليل للكلام السابق أى : أنه ـ سبحانه ـ هو الذي خلق الأشياء كلها ويدخل في ذلك السموات والأرض وغيرهما ، وهو الذي دبر هذا الكون على حسب إرادته ويدخل في ذلك ما أشار إليه بقوله : (مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ).
وقوله : (تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ).
تبارك : فعل ماض لا يتصرف ، أى لم يجيء منه مضارع ولا أمر ولا اسم فاعل. من البركة بمعنى الكثرة من كل خير. وأصلها النماء والزيادة. أى : كثر خيره وإحسانه وتعاظمت وتزايدت بركات الله رب العالمين.
أو من البركة بمعنى الثبوت. يقال : برك البعير ، إذا أناخ في موضعه فلزمه وثبت فيه. وكل شيء ثبت ودام فقد برك. أى : ثبت ودام خيره على خلقه.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٨ ص ١٣٨.