قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) لبيان مظاهر قدرته ورحمته. وقرأ حمزة والكسائي «الريح» بالإفراد :
و (بُشْراً) ـ بضم الباء فسكون الشين ـ مخفف و (بُشْراً) ـ بضمتين ـ جمع بشير كنذر ونذير ، أى : مبشرات بنزول الغيث المستتبع لمنفعة الخلق.
وقرأ أهل المدينة والبصرة «نشرا» ـ بضم النون والشين ـ جمع نشور ـ كصبور وصبر ـ بمعنى ناشر من النشر ضد الطى ، وفعول بمعنى فاعل يطرد جمعه.
وهناك قراءات أخرى غير ذلك.
والمعنى وهو ـ سبحانه ـ الذي يرسل الرياح مبشرات عباده بقرب نزول الغيث الذي به حياة الناس.
وقوله : (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) أى بين يدي المطر الذي هو من أبرز مظاهر رحمة الله بعباده.
قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ).
وقال تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ).
قال الإمام الرازي : وقوله : (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) من أحسن أنواع المجاز ، والسبب في ذلك أن اليدين يستعملهما العرب في معنى التقدمة على سبيل المجاز. يقال : إن الفتن تحصل بين يدي الساعة يريدون قبيلها ، كذلك مما حسن هذا المجاز أن يدي الإنسان متقدمة ، فكل ما كان يتقدم شيئا يطلق عليه لفظ اليدين على سبيل المجاز لأجل هذه المشابهة ، فلما كانت الرياح تتقدم المطر ، لا جرم عبر عنه بهذا اللفظ» (١).
وقوله : (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) حتى : غاية لقوله : (يُرْسِلُ). وأقلت : أى حملت. وحقيقة أقله وجده قليلا ثم استعمل بمعنى حمله. لأن الحامل لشيء يستقل ما يحمله بزعم أن ما يحمله قليل.
و (سَحاباً) أى : غيما ، سمى بذلك لانسحابه في الهواء ، وهو اسم جنس جمعى يفرق بينه وبين واحده بالتاء كتمر وتمرة ، وهو يذكر ويؤنث ويفرد وصفه ويجمع.
و (ثِقالاً) جمع ثقيلة من الثقل ـ كعنب ـ ضد الخفة. يقال : ثقل الشيء ـ ككرم ـ ثقلا وثقالة فهو ثقيل وهي ثقيلة.
والمعنى : أن الله ـ تعالى ـ هو الذي يرسل الرياح مبشرات بنزول الغيث ، حتى إذا حملت
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٤ ص ٢٤٢ طبعة المطبعة الشرقية سنة ١٣٢٤ ه.