الرياح سحابا ثقالا من كثرة ما فيها من الماء ، سقناه ـ أى السحاب إلى «بلد ميت» أى إلى أرض لا نبات فيها ولا مرعى ، فاهتزت وربت وأخرجت النبات والمرعى. فأطلق ـ سبحانه ـ الموت على الأرض التي لا نبات فيها ، وأطلق الحياة على الأرض الزاخرة بالنبات والمرعى لأن حياتها بذلك.
قال ـ تعالى ـ : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ ، فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ) (١).
وقوله : (فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ) أى : فأنزلنا في هذا البلد الميت الماء الذي يحمله السحاب. فالباء في (بِهِ) للظرفية.
وقيل إن الضمير في (بِهِ) للسحاب ، أى : فأنزلنا بالسحاب الماء وعليه فتكون الباء للسببية.
وقوله : (فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أى : فأخرجنا بهذا الماء من كل أنواع الثمرات المعتادة في كل بلد ، تخرج به على الوجه الذي أجرى الله العادة بها ودبرها.
فليس المراد أن كل بلد ميت تخرج منه جميع أنواع الثمار التي خلقها الله ، متى نزل به الماء ، وإنما المراد أن كل بلد تخرج منه الثمار التي تناسب تربته على حسب مشيئة الله وفضله وإحسانه ، إذ من المشاهد أن البلاد تختلف أرضها فيما تخرجه ، وهذا أدل على قدرة الله ، وواسع رحمته.
وقوله : (كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) إشارة إلى إخراج الثمرات ، أو إلى إحياء البلد الميت.
أى : مثل ما أحيينا الأرض بعد موتها وجعلناها زاخرة بأنواع الثمرات بسبب نزول الماء عليها ، نخرج الموتى من الأرض ونبعثهم أحياء في اليوم الآخر لنحاسبهم على أعمالهم ، فالتشبيه في مطلق الإخراج من العدم. وهذا رد على منكري البعث بدليل ملزم ، لأن من قدر على إخراج النبات من الأرض بعد نزول الماء عليها ، قادر ـ أيضا ـ على إخراج الموتى من قبورهم.
وقوله : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) تذييل قصد به الحث على التدبر والتفكر ، أى : لعلكم تذكرون وتعتبرون بما وصفنا لكم فيزول إنكاركم للبعث والحساب.
قال الشيخ القاسمى : «من أحكام الآية كما قال الجشمي : أنها تدل على عظم نعمة الله
__________________
(١) آية ٩ من سورة فاطر.