الأول : أن الأسف الشديد : الغضب ، وهو قول أبى الدرداء وعطاء عن ابن عباس ، واحتجوا له بقوله تعالى : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) أى : أغضبونا :
والثاني : أن الأسف هو الحزن ، وهو قول الحسن والسدى وغيرهما ، واحتجوا له بحديث عائشة أنها قالت : «إن أبا بكر رجل أسيف أى حزين».
قال الواحدي : والقولان متقاربان لأن الغضب من الحزن ، والحزن من الغضب ، فإذا جاءك ما تكره ممن هو دونك غضبت. وإذا جاءك ممن هو فوقك حزنت ، فتسمى إحدى هاتين الحالتين حزنا والأخرى غضبا» (١).
وقوله (غَضْبانَ أَسِفاً) منصوبان على الحال من موسى عند من يجيز تعدد الحال. وعند من لا يجيزه يجعل أسفا حالا من الضمير المستكن في غضبان فتكون حالا متداخلة.
وقول موسى لقومه : (بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي) ذم منه لهم ، والمعنى : بئس خلافة خلفتمونيها من بعد ذهابي عنكم إلى مناجاة ربي ، وبئس الفعل فعلكم بعد فراقي إياكم. حيث عبدتم العجل ، وأشربت قلوبكم محبته ، ولم تعيروا التفاتا لما عهدت به إليكم ، من توحيد الله ، وإخلاص العبادة ، والسير على سنتي وشريعتي.
قال الجمل : و «بئس» فعل ماض لإنشاء الذم ، وفعله مستتر تقديره هو ، و «ما» تمييز بمعنى خلافة ، وجملة خلفتموني صفة لما. والرابط محذوف ، والمخصوص بالذم محذوف ، والتقدير بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم (٢).
وقوله (مِنْ بَعْدِي) معناه : من بعد ما رأيتم منى توحيد الله ، ونفى الشركاء عنه ، وإخلاص العبادة له ، أو من بعد ما كنت احمل بنى إسرائيل على التوحيد واكفهم عما طمحت نحوه أبصارهم من عبادة البقر حين قالوا (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ). ومن حق الخلفاء أن يسيروا بسيرة المستخلف من بعده ولا يخالفوه.
وقوله تعالى (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) معناه أسبقتم بعبادة العجل ما أمركم به ربكم وهو انتظاري حافظين لعهدي ، وما أوصيتكم به من التوحيد وإخلاص العبادة لله حتى آتيكم بكتاب الله ، فغيرتم وعبدتم العجل قيل : كانوا قد استبطئوا نزوله من الجبل ، فخدعهم السامري وصنع لهم العجل فعبدوه ، وجعلوا يغنون ويرقصون حوله ويقولون : هذا هو الإله الحق الذي أنقذنا من الظلم ، قال صاحب الكشاف : يقال عجل عن الأمر إذا تركه غير تام. ويضمن معنى
__________________
(١) تفسير الرازي ج ٤ ص ٣٠٢.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ١٩٣.