بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة ، ومعلوم أنّ أغلب الأحكام الشرعيّة مظنونة ، فليس إلّا لأنّ المراد من الحكم : الظاهري الذي لا ينافيه كونه مظنونا. وليس الغرض بيان أنّ مؤدّى الأمارات أحكام ظاهريّة بل هي أحكام واقعية ، وإنّما الغرض بيان أنّ المراد من الحكم هو الحكم الفعلي الأعمّ من الظاهري وغيره.
نعم ، البراءة العقليّة ـ وهي قبح العقاب بلا بيان ـ والتخيير العقلي ـ وهو قبح الترجيح من غير مرجّح ـ وقاعدة الاحتياط العقلي ـ المعبّر عنها بقاعدة الشغل كما في أطراف العلم الإجمالي المنجّز ـ خارجة عن التعريف ، ولكنّها ليست قواعد اصوليّة ولا يبحث عنها في الاصول.
أمّا قبح العقاب بلا بيان فهي من فروع قبح الظلم على الله تعالى فهي مسألة كلاميّة ، وكلّ من الأصوليّين والأخباريّين معترفون بها ، وإنّما يدّعي الأخباريّ أنّ أخبار الاحتياط بيان ، فتكون واردة على هذه القاعدة ، وينكر الأصوليّ ذلك ، وإلّا فالقاعدة غير قابلة للجدال إلّا من الأشعري الذي يجوّز القبيح على الله ، قبّحه الله. وكذا قبح ترجيح المرجوح على الراجح أيضا مسألة كلامية وكلّ معترف بها ، وبعد قبحه تخلو المسألة عن الحكم فيتخيّر بحكم العقل ؛ لاحتمال الإصابة والإطاعة ، وإنّما البحث فيها عن أن دعوى كون دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة ثابت أم لا؟
وأمّا قاعدة الشغل فدفع الضرر المحتمل واجب عقلا وهي أيضا كلاميّة ، وبها يثبت وجوب معرفة الله والنظر في المعجزة. وإنّما يدّعي بعضهم (١) شمول أدلّة البراءة لجميع أطراف العلم الإجمالي أو لبعضها (٢) وينكر الآخر (٣). فهذه المسائل ليست مسائل اصولية وإنّما تذكر لما ذكرنا.
__________________
(١) هو العلّامة المجلسي في أربعينه : ٥٨٢ ، على ما حكاه عنه في القوانين ٢ : ٢٧.
(٢) المحقق القمي في قوانين الاصول (الأقوى فيه أيضا أصالة البراءة ...) ٢ : ٢٥ ، وصاحب المدارك ١ : ١٠٧ ، وصاحب الذخيرة : ١٣٨.
(٣) كالشيخ في الفرائد ٢ : ٢١٠ ، وفي المدارك ١ : ١٠٧ : أنّه مذهب الأصحاب.