ودعوى أنّ الدليل هو لزوم الترجيح من غير مرجّح (١).
مدفوعة : أولا بأنّ الترجيح من غير مرجح لا قبح فيه فلا يستحيل على الله ؛ لأنّ سبب الاستحالة عليه قبحه.
بيان ذلك : أنّ الترجيح من غير مرجّح لو كان قبيحا للزم أن يكون المريض الذي قد وصف له الطبيب المشي مثلا ، المتحقّق بمشيه إلى الجهات الأربع المفروض تساويها من جميع الجهات يتوقّف ولا يمشي إلى إحداها حتّى يموت ، وللزم أن يكون الفارّ من الأسد الواجد لبابين مفتوحين متساويين من جميع الجهات متوقّفا حتّى يأتي إليه السبع فيأكله ، فمن هنا نستكشف أنّه إذا كان الغرض متعلّقا بطبيعة تتحقّق بكلّ فرد من أفرادها يكون اختيار بعضها ترجيحا من غير مرجّح وليس بقبيح أصلا.
وثانيا : أنّ القبيح لا مانع من ارتكابه على غير الله تعالى ، فلو كان الواضع هو يعرب بن قحطان مثلا نقول بأنّه ارتكب القبيح.
وثالثا : أنّا لو سلّمنا قبح الترجيح من غير مرجّح على غير الله واستحالة القبيح على الله تعالى فهو يقتضي أن يكون هناك مرجّح ، أمّا أنّ ذلك المرجّح يلزم أن يكون هو المناسبة بين اللفظ والمعنى فغير معلوم ، بل لعلّها أمر آخر كما نشاهد بالوجدان مناسبات تقتضي اختيار بعض الألفاظ لبعض المعاني ، مثلا يسمّي الإنسان ابنه باسم أبيه لئلّا يندرس اسم أبيه في عالم الدنيا وغيرها من المناسبات ، كأن يسمّيه حسينا ؛ لأنّ ولادته يوم ولادته أو يوم قتله أو غير ذلك.
ورابعا : أنّ هذه المناسبة لا تنافي الوضع بل هي الداعية إلى تعيين اللفظ للمعنى الذي هو الوضع ، وإنّما تنافيه لو كانت علّة تامّة للتفهيم.
__________________
(١) انظر نهاية الاصول للعلّامة : ٢٠ (مخطوط) ، ونهاية الأفكار ١ : ٢٥.