فيقع الكلام في الوضع : الظاهر من كلام الآخوند قدسسره (١) أنّ الوضع أمر واقعي بين اللفظ والمعنى ينشأ هذا الأمر الواقعي من التخصيص أو كثرة الاستعمال ، وهذا أمر مستحيل ؛ لأنّ الأمور الواقعيّة لا تخلو من أن تكون جواهرا أو أعراضا أو ملازمات ، فالجواهر منتفية في الوضع قطعا ، وكذا احتمال كونه عرضا ؛ إذ ليس للوضع وجود خارجا والجواهر والأعراض لها وجودات متأصّلة إمّا بنفسها وإمّا بسبب ما هي عرض له ؛ إذ العرض لا بدّ له من موضوع يتحقّق به ، والموضوع هنا منتف ؛ إذ ليس إلّا اللفظ والمعنى ، ولا يتوقّف الوضع على وجودهما الخارجي ، بل الوضع متحقّق وإن لم يوجدا أصلا.
فبقي احتمال كونه من الملازمات العقليّة ، وهذا أيضا منتف ؛ لأنّه لو كان من الملازمات العقليّة لكان أزليّا ؛ ضرورة أنّ الملازمات العقليّة كلّها أزليّة. وثانيا : لو كان من الملازمات الذاتيّة لم يجهل معنى اللفظ بعد وضعه أصلا لكلّ إنسان وإن كان أجنبيّا عن تلك اللغة ، لتحقّق الملازمة الذاتيّة بعد تحقّق الوضع بين اللفظ والمعنى ، والجهل بالمعاني حتّى بعد الوضع لا تحتاج إلى مثبت في الخارج ، فافهم.
فظهر بما ذكرنا أنّ الوضع ليس أمرا واقعيا ، فيقع حينئذ الكلام في أنّ حقيقة الوضع ما هي؟ الأقوال في المقام ثلاثة :
الأوّل : أنّه أمر اعتباري صرف (٢).
الثاني : أنّه أمر حقيقي صرف (٣).
الثالث : أنّه أمر متوسّط بين الحقيقيّة والاعتباريّة (٤).
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٤.
(٢) انظر نهاية الأفكار ١ : ٢٣ ـ ٢٥.
(٣) انظر كفاية الاصول : ٢٤.
(٤) انظر أجود التقريرات ١ : ١٩.