أمّا الأوّل فقد يقرّب بأحد نحوين :
أحدهما : أن يعتبر الواضع اللفظ وجودا تنزيليّا للمعنى ، بأن يكون التلفظ بزيد كما أنّه وجود تكويني لفرد من أفراد الكيف المسموع يكون وجودا تنزيليّا لذاته أيضا ، كما يعتبر زيد وجودا تنزيليّا للأسد حيث يستعير لزيد لفظ الأسد فيقول : جاء الأسد عند مجيئه.
وفيه أولا : أنّ التنزيل يحتاج إلى مشابهة بين المنزّل والمنزّل عليه ، ولا بدّ من كونها من أظهر خواصّ المنزّل عليه حتّى يصحّ التنزيل ، وهذا الأمر مفقود في المقام ، ضرورة أن لا مناسبة بين لفظ الجبل مثلا وما وضع له ، ولا بين أيّ لفظ مع أيّ معنى.
وثانيا : أنّ التنزيل أمر محتاج إلى أن يكون المنزّل من العقلاء ، ونحن لا نرى اختصاص الوضع بهم ، بل إنّ الأطفال الصغار يضعون ألفاظا لمعان بحسب ما يختارون ، فتراهم يعبّرون عن العصا بالديدمّ مثلا ، بل الحيوانات أيضا كما هو مشاهد في الهرّة ، فإنّ لها عند ندائها أطفالها صوتا يغاير صوتها عند زجرهم ، ولها صوت عند طلبها الطعام يغايرهما معا ، وهكذا بقيّة الحيوانات كالديك ؛ فإنّ له صوتا خاصا عند نداء انثاه مفقود في غير تلك الحال. فهؤلاء يضعون مع عدم تعقّلهم التنزيل أصلا.
الثاني من الوجهين لتصوير كون الوضع أمرا اعتباريا أن يكون الواضع قد اعتبر هذا اللفظ موضوعا لهذا المعنى فقد اعتبر نفس الوضع ، وبهذا يكون الملحوظ هو الهوهويّة والاعتبار فإنّ الوضع من الأمور القابلة للاعتبار ، كما يعتبر الواضع للعلم على رأس الفرسخ هذا العلم علامة لانتهاء الفرسخ مثلا ، فيكون الواضع قد اعتبر اللفظ علامة ويكون الوضع أمرا اعتباريّا باعتباره.
وفيه أوّلا : ما ذكرناه ثانيا من أنّه محتاج إلى معتبر ونراه يصدر من الأطفال والحيوانات.