وبالجملة ، فالحروف بأسرها موضوعة لمعنى في غيرها وهو التقييد والتحصيص كما ذكرنا ، غايته أنّ التحصيص تارة يكون في معنى مفرد كما في قولك : زيد في الدار ، فهو تحصيص لزيد من ناحية الظرفية ، واخرى يكون التحصيص في معنى جملة كما في أداة الشرط والاستفهام وغيرها (*) ، وكالحروف المشبّهة بكان ، فمثل قولك : أكرم زيدا إن جاءك مثلا لمّا كان لفظ أكرم زيدا مطلقا من حيث مجيئه وعدمه ، فبإطلاقه كان يجب إكرامه على كلّ تقدير فتقييده بالشرط تقييد له وبيان لكون الحصّة المطلوبة من الإكرام حصّة خاصّة. وكذا الاستفهام على ما سيأتي في بيان معنى الجملة إن شاء الله تعالى.
وبالجملة ، فالتخصص والتقيّد هو المعنى الذي وضعت له الحروف وهو معنى قائم بالغير ؛ ضرورة أنّ التقييد لا يكون إلّا بين مقيّد ومقيّد به فهي تدلّ على معاني في غيرها.
بقي الكلام في أنّ هذه المعاني التي هي المعاني الحرفية يمكن أن تستقلّ باللحاظ أم إنّها ـ كما هو المشهور وإليه ذهب صاحب الكفاية (١) ـ لا يمكن أن تلحظ إلّا باللحاظ الآلي ، بل ذكر بعضهم (٢) أنّ المعاني الحرفية معان مغفول عنها في مقام الاستعمال؟ الظاهر : إمكان أن تستقل باللحاظ وإن كان المعنى في غيره ، فإنّ معنى كون المعنى في غيره أنّه بذاته غير مستقلّ ، ولا يلزم منه أن يكون تعلّق اللحاظ الاستقلالي به ممتنعا ، بل إنّ تعلّق اللحاظ الاستقلالي به أمر وجداني ؛ فإنّه ربّما يكون الذات والقيد
__________________
(*) قد أفاد في الدورة اللاحقة أنّ ما وضع له حرف الاستفهام والترجّي والتمنّي هو ما وضعت له الهيئات التركيبية في الجمل الإنشائية ، وهو إبراز كونه مستفهما عن كذا أو مترجّيا لكذا أو متمنّيا لكذا على ما اختاره فيما وضعت له الجمل ولم يذكر فيها غير هذا القسم مع القسم الأوّل.
(١) كفاية الاصول : ٢٧.
(٢) فوائد الاصول ١ : ٤٥ و ١٨١.