خارجا حتّى ينسب إليه المحمول كما في قولنا : العنقاء معدوم أو شريك الباري مستحيل ؛ فإنّ الموضوع لا وجود له خارجا حتّى ينسب إليه في الخارج ، فلا بدّ فيها من التجريد والتجوّز ، ونحن لا نرى تفاوتا في الاستعمال بينها وبين غيرها كما في زيد قائم ، بل نرى استعمال الجملة فيهما واحد ، فهذا كاشف عن اتّحاد المستعمل فيه في كلتا الجملتين ، فلا بدّ من كونه غير ثبوت النسبة.
وثانيا : أنّ الهيئة لو كانت موضوعة لثبوت النسبة في الخارج لأوجبت إثباتها في الخارج ، وقولك : زيد قائم مثلا بعد صدوره نحتمل ثبوت القيام ونحتمل سلبه بالوجدان ، فهذا كاشف أنّ ما وضعت هيئة الجملة له معنى آخر غير ثبوت النسبة ، وإلّا لافادتها.
فالتحقيق أن يقال : إنّ الهيئة وضعت لإفادة كون المتكلّم قاصدا للحكاية ، وهذا واضح بناء على أنّ الوضع هو التعهّد ، فإنّ الواضع قد تعهّد والتزم أنّه متى أتى بجملة خبرية فهو بصدد الحكاية والإخبار ولا ضير في ذلك أصلا ، وحينئذ فتسميتها بالجملة الخبرية إنّما هو باعتبار أنّ صدورها من المتكلّم بقصد الحكاية والإخبار يحقّق فردا من أفراد الإخبار ومصداقا من مصاديقه ، وجميع العناوين القصدية تابعة للقصد ، فافهم ، فاتّصاف الجملة الخبرية بالصدق والكذب حينئذ لا معنى له ؛ إذ دلالتها على معناها دائما صادق ، فإنّ دلالة المفردات على المعاني التصورية لا تنتفي ولو علم بانتفاء النسبة. والهيئة إنّما وضعت لإبراز كون المتكلّم بصدد الحكاية فإذا كان بصدد الحكاية واقعا كان الاستعمال صحيحا وإلّا كان غلطا.
نعم ، لو كان ظهور حاله لا يقضي كونه بصدد الحكاية كما إذا طلب منه أن يأتيهم بجملة فيها مبتدأ وخبر فقال : زيد قائم فهذه لا تتصف لا بالصحّة ولا الغلط ، فافهم.
وبعبارة اخرى ، إنّ الهيئة للجملة الخبرية قد وضعت لإفادة المخاطب أنّ المتكلّم بصدد الإخبار بهذه النسبة ، فإذا نطق بها وكان بذلك القصد فهي صحيحة ؛ لمطابقتها لمدلولها وإلّا فهي غلط ، فالصدق والكذب تابع للمدلول وهو المحكيّ لا للدلالة ،