فإنّها متحقّقة على كل تقدير ؛ ضرورة دلالتها على كون المتكلّم قاصدا للحكاية على كلّ تقدير ، كان قاصدا واقعا أم لا ، ولكنّ المحكي إن كان واقعا في الخارج كان صادقا ، وإلّا كان كاذبا ، فافهم.
وأمّا هيئة الأفعال بل جميع المشتقّات فإنّ الأفعال بل جميع المشتقّات مشتملة على مادة وهيئة ، فأمّا المادّة فقد ذكر جمع من النحاة أنّها الفعل الماضي ، كما ذكر جمع آخر أنّه المصدر ، وذكر جمع آخر أنّه اسم المصدر.
والتحقيق بطلان هذه الأقوال كلّها ؛ لأنّ المادّة يلزم أن تكون بمعناها متحقّقة في جميع ما هي مادّة له ، ومعلوم أنّ الفعل الماضي له خصوصية لا تتحقّق تلك الخصوصيّة في الفعل المضارع ، كما أنّ المصدر واسم المصدر كذلك ؛ فإنّ المعنى الحدثي إن لوحظ وجوده في غيره وكونه حالة لغيره وأنّ وجوده هو الوجود في غيره فهو المصدر ، وإن لوحظ غير منتسب إلى غيره بل لوحظ هو في نفسه فهو اسم المصدر ، فالأوّل مشروط بكونه ملحوظا حالة للغير ، والثاني مشروط بعدم لحاظه حالة لغيره ، بل مشروط بلحاظه في نفسه ، فكلّ منهما قد أخذت فيه خصوصيّة غير موجودة في الآخر فضلا عن بقيّة المشتقّات ، فكيف يصير أصلا لها؟
وبالجملة ، فمادّة المشتقّات هي هذه الحروف الغير المتهيئة بهيئة غير التقديم والتأخير ، والمعنى الذي يكون لها هو المعنى الكلّي لا بشرط المقسمي المتجرّد عن كلّ قيد حتّى عن قيد تجرّده عن القيود ، فتلك الحروف المعلومة كالضاد والراء والباء بهذا المعنى المتجرّد عن كلّ قيد هي أصل المشتقات.
وأمّا الهيئات فهيئة المصدر واسم المصدر قد علم وضعهما لأيّ شيء ، وأمّا فعل الماضي فتارة يسند إلى المجرّدات فيقال : علم الله ، واخرى إلى نفس الزمان فيقال : مضى أمس بما فيه ، وثالثة إلى الزمانيات كما في قولنا : قال زيد أو قام عمر ، والموضوع له في الجميع واحد وهو كون الناطق بها قاصدا حكاية تحقّق الفعل المنسوب سابقا ، فتارة يكون السبق مطلقا كما في قام زيد ، واخرى يكون مقيّدا