كما في قولك : يجيء زيد بعد سنة وقد ضرب قبله بأيام ، فإنّ السبق هنا مقيّد بالمجيء بعد سنة ، فإنّ الظاهر أنّ هذا الإطلاق أيضا حقيقي ليس فيه تجريد ومجازية أصلا إذ إنّ هذا المعنى معنى جامع بين هذه الأمثلة بأسرها ؛ إذ لم يؤخذ فيما وضعت له الهيئة تحقّق الفعل في زمان قبل النطق حتّى نحتاج إلى التجريد في الإسناد إلى نفس الزمن ؛ لأنّ الزمن لا يتحقّق في الزمن وإلّا لتسلسل ، كما أنّه لم يؤخذ فيه الزمن حتّى يكون الإسناد فيه إلى الله في : علم الله ، وقال الله مفتقرا إلى التجريد ؛ لأنّ علمه عين ذاته وبعض أقواله كذلك فلا تتحقّق في زمان أصلا كما ذهب إليه بعضهم (١).
نعم ، إذا كان الفعل زمانيّا وقد أسند إلى زماني فلازمه التحقّق في زمان قبل النطق إلّا أنّ ذلك ليس مدلولا لنفس الفعل إلّا بالملازمة العقليّة نظير قولنا : زيد شرب السمّ ؛ فإنّ لازمه العقلي أنّه مات ولكنه ليس مدلولا له ، وأمّا نفس فعل الماضي فلا دلالة له على الزمان أصلا ، ولعلّ هذه الملازمة العقليّة في بعض الأفعال الماضيّة هي التي دعت النحاة إلى أخذ الزمان في مفهوم الفعل.
وأمّا فعل المضارع فهيئته إنّما تدلّ على كون المنسوب إليه الفعل متلبّسا به حال النطق ، ففعل المضارع إنّما تدلّ هيئته على كون المتكلّم قاصدا الإخبار عن تلبّس المنسوب إليه الفعل حال النطق ، وإذا جيء بالسين أو سوف فهو يدلّ على كون المتكلّم قاصدا للحكاية عن أنّ المنسوب إليه الفعل يتلبّس فيما يأتي من الزمن قريبا أو بعيدا بالفعل.
وأمّا هيئة بقيّة المشتقّات فإنّما تدلّ على كون المتكلّم بها قاصدا الحكاية عن ذات مبهمة من كلّ شيء إلّا من حيث إنّها متلبّسة بالمبدإ على أحد أنحاء التلبّسات من كونها مصدّرة أو واقع عليها أو كونها آلة للإصدار أو اسم زمان لصدور أو مكان أو غير ذلك ، وحديث كون المشتقّات بسيطة المفهوم سيأتي تضعيفه أو توجيهه إن شاء الله تعالى في المشتقّ.
__________________
(١) لم نعثر عليه.