القضيّة من جزءين بكفاية المغايرة الاعتبارية ، وكون التركّب من جزءين إنّما يكون إذا لم يكن شخص اللفظ بنفسه موضوعا ، أمّا إذا كان بنفسه موضوعا فلا يلزم تركّبها من جزءين ، وقد استدلّ صاحب الكفاية (١) على ما ذكره ـ من كون صحّة الاستعمال بالطبع لا بالوضع ـ بصحّته في المهملات أيضا كما في ديز في قولنا : ديز مهمل أو لفظ ، ولو كان بالوضع للزم الوضع في المهملات أيضا وهو باطل.
ونحن نقول : إنّ إطلاق اللفظ على نوعه وصنفه ومثله وشخصه ليس من باب الاستعمال أصلا كي يقع الكلام في أنّه بالطبع أم بالوضع ، وبيان ذلك موقوف على مقدّمتين :
إحداهما : أنّ الاستعمال سواء كان وجودا تنزيليا للمعنى أو علامة دالّة عليه كما ذكرنا إنّما يكون من حيث إنّ إخطار المعنى في ذهن المخاطب لا يمكن في كثير من الموارد إلّا بذكر اللفظ المختص به ، كما في الأمور العقلانيّة وكما في الأشياء الغائبة عن مجلس المخاطبة مثلا ، فالوضع من المنن الإلهية على البشر لبيان مقاصدهم ، وإليه ـ والله العالم ـ الإشارة بقوله : (عَلَّمَهُ الْبَيانَ)(٢) فتقول : زيد سافر في هذا اليوم ، فبمجرّد النطق بلفظ زيد يرتسم في ذهن السامع ذاته فيحمل عليه المحمول المذكور وهو السفر في هذا اليوم وكذا غيره ، وحينئذ فاستعمال اللفظة الخاصّة إنّما هو لإخطار ذلك المعنى في ذهن المخاطب ، فإذا أمكن إخطار المعنى بغير الاستعمال بذكر نفس ما يحمل عليه المحمول من غير واسطة فلا حاجة إلى الاستعمال حينئذ.
المقدّمة الثانية : إنّ المعاني الحرفية كما ذكرنا إنّما هي غالبا تضييقات للمعاني الاسميّة ، وحينئذ فكما أنّ الإنسان إذا أراد حصّة خاصّة من الصلاة يقول : الصلاة في المسجد حكمها كذا ، أو الصلاة الجهريّة ، فبالهيئة الوصفيّة التي هي معنى حرفي
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٩.
(٢) الرحمن : ٤.