وبالجملة ، فهذا النحو من الوضع التعييني ممكن وقريب جدّا تحقّقه. ومن هنا ظهر أنّ دعوى تحقّقه قريبة جدا من النبي صلىاللهعليهوآله نفسه ، كما ظهر بطلان كلام صاحب الكفاية (١) من كونه حينئذ لا حقيقة ولا مجاز ؛ للزوم سبق الوضع وهو منتف ، ووجه الفساد أنّ سبق الوضع متحقّق فيكون الاستعمال حقيقة.
وبالجملة ، فدعوى تحقّق الوضع بهذا النحو قريبة جدا خصوصا مع ملاحظة انتفاء العلائق المجوّزة للتجوّز غالبا.
ثمّ إنّه لا يتفاوت ثبوت الوضع بهذا النحو بين أن تكون هذه المعاني ثابتة في الشرائع السابقة على شرعنا وبين أن لا تكون ثابتة ؛ لأنّ الغرض من ثبوت الحقيقة الشرعيّة هو حمل الألفاظ عليها عند الشكّ ، وهذا لا يتفاوت فيه ثبوته في الشرائع السابقة وعدمه حتّى لو كانت هذه الألفاظ مستعملة عندهم ، وإنّما المهمّ أن يكون نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله قد عيّن هذا اللفظ لهذا المعنى ، سواء عيّن من قبله له أم لا.
وثانيا أنّ ثبوت هذه المعاني لا يضرّ بثبوت الحقيقة الشرعيّة كما في قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)(٢) وقوله : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ)(٣) وقوله : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ)(٤) لأنّ ثبوت هذه المعاني لا يقتضي استعمال هذه الألفاظ فيها والذي يضرّنا هو ذلك وهو الذي ينفي الحقيقة الشرعيّة ، ومعلوم أنّ استعمالهم كان باللغة السريانية والعبرانية وغيرها من اللغات ، فما ذكره صاحب الكفاية (٥) لا يخفى عليك ما فيه.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٣٦.
(٢) البقرة : ١٨٣.
(٣) مريم : ٣١.
(٤) الحجّ : ٢٧.
(٥) كفاية الاصول : ٣٦.