وأنت خبير بأنّ الجواب الأوّل غير تامّ ؛ فإنّه أيّ معنى لتناهي المعاني الكلّية؟ فإنّ المعاني الكلّية الموجودة واقعا وإن كانت متناهية إلّا أنّ الكلّيات الفرضيّة غير متناهية أيضا. نعم جوابه الثاني حسن ولو فرضنا عدم قلعه للإشكال نقول بأنّ الألفاظ أيضا غير متناهية ، فإنّ قاعدة أنّ المركّب من المتناهي متناه تامة في ذوات الأجزاء الحسيّة ، وإلّا فالأعداد غير متناهية مع تركّبها من الأرقام المتناهية. وإليك تقريب المدّعى : فإنّ الحروف الهجائية التي هي ثمانية وعشرون حرفا تركّبها الثنائي ينوف على الألف. ثمّ لو أضيف إليها حرف واحد فهذا الحرف الواحد قد يكون أوّلا وقد يكون وسطا وقد يكون آخرا وعلى جميعها قد يكون مرفوعا وقد يكون منصوبا وقد يكون مخفوضا وقد يكون ساكنا. ثمّ لو أضفنا حرفا رابعا وهكذا صنعنا به كم تكون الاحتمالات؟
وبالجملة ، فالألفاظ بهذا التقرير أيضا غير متناهية قطعا ، فافهم.
وأمّا الذاهبون إلى استحالته فقد استدلّوا بأنّ الاشتراك يستدعي الإخلال بحكمة الوضع وهي التفهيم والتفهّم ، سواء قلنا بجواز استعمال المشترك في معنييه أم لم نقل ، غاية الأمر أنّا إن قلنا بالجواز يكون إرادة المجموع أحد المحتملات أيضا. وإذا استلزم الإخلال فكلّ وضع يلزم منه الإخلال بحكمة الوضع محال.
ولو كان الإشكال هذا فحسب فجوابه ما ذكره في الكفاية (١) من أنّ الغرض قد يتعلّق بالإجمال أحيانا وأنّ القرينة الحاليّة أو المقاليّة ترفع الإجمال.
وقد ذكر بعضهم (٢) أنّ وضع اللفظ للمعنى من قبيل وضع طبيعي اللفظ لطبيعي المعنى ، فمثلا إذا وضع لفظ «الإنسان» لهذه الطبيعة فمعناه وضع طبيعي لفظ الإنسان من أيّ متكلّم صدر ومن أيّ لغة صدر وفي أيّ وقت صدر فهو يفيد طبيعي
__________________
(١) كفاية الاصول : ٥١.
(٢) انظر نهاية الدراية ١ : ٤٤.