وقد ذهب جماعة (١) إلى عدم اعتبار القيام بالذات أصلا لا في صفاته ولا في غيرها مستدلّين بصدق الضارب والمؤلم مع قيام الضرب والألم بالغير.
ولا يخفى أنّ هذا القول من المضحكات ؛ إذ لو لم يعتبر القيام فلم لم يصدق ضارب ومؤلم على غيرهما؟ بل الظاهر ـ كما ذكره في الكفاية ـ اعتبار التلبّس وإن اختلفت أنحاؤه في كونه بنحو الصدور في «ضارب» و «مؤلم» وبنحو آخر في غيرهما.
بقي الكلام فيما ذكره صاحب الفصول من عدم القيام لاقتضائه حينئذ الاثنينيّة المنفيّة في حقّه تعالى وتقدّس.
وقد أجاب في الكفاية (٢) بأنّ العينيّة نحو من أنحاء التلبّس المختلفة.
والجواب الحقيقي أن يقال : إنّ المعاني الحرفيّة ـ كما قدّمنا ذلك في المعنى الحرفي ـ تضييقات في المفاهيم فهي تضييقات في مقام المفاهيم الاسميّة ، والمشتقّ ـ كما ذكرنا ـ مركّب من مفهوم شيء مع نسبة المبدأ ، فهيئة المشتقّ تضييق مفهوم شيء بقوله : له العلم ، فيكون مفهوم عالم : شيء له العلم ، ولا ريب في أنّه مفهوم يصحّ حمله على الذات ، وكون مصداقه عين الذات لا يخلّ بمقام المفهوم أصلا.
وبالجملة ، النسبة التي تفيدها هيئة المشتقّ إنّما تتحقّق بين مفهوم شيء والمبدأ ، فهي لتضييق ذلك المفهوم ، ولا يلزم أن تكون خارجيّة أصلا ، بل قد يستحيل تحقّق النسبة في الخارج كما في قولنا : اجتماع النقيضين محال وشريك الباري ممتنع ، وكون مصداقه حقيقة عين الذات لا ربط لها بالمفهوم.
وبالجملة ، حمل عالم على الله لا يضرّ أصلا ؛ إذ هو حمل لمفهوم على مفهوم ، وكون مصداق أحدهما عين مصداق الآخر لا يضرّ بمسألة المفهوم.
__________________
(١) منهم المعتزلة كما في شرح المختصر ١ : ٦٠ ، واختاره الكلباسي في الإشارات الورقة : ٣٢ ، ونسبه إلى معظم الأصحاب والحكماء وغيرهم.
(٢) كفاية الاصول : ٧٧.