بقي الكلام في أنّ الشيء الواحد كيف يكون تنتزع منه هذه الامور المتكثّرة؟ إذ كما لا يعقل أخذ الجامع من امور متشتتة كذلك لا يمكن أن يكون الشيء الواحد منشأ لامور كثيرة.
وجوابه : أنّ كثرتها لفظيّة لا حقيقيّة وإلّا فهي في الحقيقة شيء واحد وإنّما الاختلاف في الأسماء ، فهي نظير قول القائل : عباراتنا شتّى ...
توضيح الإشكال أن يقال : كما أنّ أخذ الجامع من امور متكثّرة على تكثّرها مستحيل ، بل لا بدّ له من جهة مشتركة حتّى بلحاظها يصحّ أخذ الجامع وانتزاعه منها ، كذلك لا يمكن انتزاع مفاهيم متعدّدة من شيء واحد بسيط ليس فيه نقص ولا تركيب أصلا ، فكيف يمكن انتزاع عالم وقادر وحيّ وغيرها منه على بساطته؟
والجواب : أنّ الألفاظ موضوعة للماهيّات الصرفة الغير المقيّدة بالوجود والعدم فقد تكون موجودة وقد تكون معدومة ، وقد ذكروا في أوّل علم الكلام وفي كثير من موارد علم الفلسفة أنّ أوّل ما يدركه الإنسان أنّه موجود ، والثاني ممّا يدركه أنّه غير غيره ؛ ولذا ترى أحد أفراده يغضب إذا غصب منه شيء مع أنّه لا وجه له لو لا إدراك أنّه غير غيره ؛ إذ لو لم يدرك ذلك فأيّ فرق بين أن يأخذه هو أو يأخذه شخص آخر؟ إذ كلاهما حينئذ غيران ، فلا مرجّح لأحدهما على الآخر أصلا.
وحينئذ فجواب هذه الشبهة هو أنّ المفاهيم المتعدّدة لا يمتنع انتزاعها من الشيء البسيط إذا كانت باعتبارات متعدّدة ، فباعتبار أنّه هو الذي منه يستمدّ الوجود في جميع الأشياء وإليه ينتهي ، ينتزع منه القدرة ، وباعتبار انكشاف جميع الأشياء عليه ينتزع منه العلم فيقال عالم. وحينئذ فانتزاع المفاهيم المتعدّدة ممكنة من البسيط كما ينتزع من الطول الخاصّ مثلا أنّه أطول من كذا وأقصر من كذا باختلاف اعتبار المعتبر كما هو واضح.
وبالجملة ، فالاختلاف في المفاهيم لا يضرّ بوحدة المصداق ولا ببساطته.