صار إلى الأوّل الأشاعرة هربا من قول اليهود : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ)(١) وتنزيها لله تعالى عن أن يوجد له شريك في إيجاد الممكنات ، فذهبوا إلى أنّ الأفعال الصادرة من العباد كلّها مستندة إليه تعالى وصادرة بإرادته واختياره وإن قارنت إرادة العبد واختياره ، إلّا أنّهما ليس لهما أثر في صدور الفعل ، فالفعل صادر قهرا على العبد وقسرا عليه ، بحيث لو أراد الامتناع عن صدور الفعل لم يتمكّن من الامتناع.
ومن هنا ذكر أبو هذيل (٢) : أنّ الأشاعرة لا يميّزون بين الفعل المقدور وغيره وأنّ حمار الأشعري أفهم من الأشعري! فإنّ الحمار إذا جيء به إلى نهر عميق لا يقتحمه إذا كان عريضا ، لعلمه بعدم قدرته عليه ، بخلاف ما إذا لم يكن عريضا ، فإنّه يقتحمه حينئذ لعلمه بقدرته عليه ، فهو أفهم من صاحبه. وقد ذكروا أنّ الثواب والعقاب على كسب العقل ، ولم نفهم معنى لذلك.
وصار إلى الثاني عموم الفلاسفة ، ومنهم صاحب الكفاية قدسسره (٣) فزعموا أنّ الفعل يصدر بإرادة العبد واختياره ، إلّا أنّ هذه الإرادة من العبد لا بدّ أن تنتهي إلى إرادة الله تعالى.
والفرق بين هذا القول وسابقه واضح ، فإنّ الأشاعرة يزعمون أنّ إرادة العبد من المقارنات الغير المؤثّرة في تحقّق الفعل وعدمه ، بخلاف الفلاسفة ، فإنّهم يزعمون استناد الفعل إلى إرادة العبد ، لكنّهم يدّعون انتهاءها إلى إرادة الحقّ جلّ شأنه.
ولمّا رأى المعتزلة أنّ هذين المذهبين ينسبان الظلم إلى الله تعالى في عقاب العاصين ، لصدور العصيان بعمل يستند إليه ابتداء أو من جهة انتهاء إرادة العبد إليه تعالى وإلى إرادته ـ وعلى كلّ حال فلا يحسن منه العقاب إذ هو ظلم منه لمن يعاقبه ـ
__________________
(١) المائدة : ٦٤.
(٢) شرح منهاج الكرامة للعلّامة الحلّي : ٩٢.
(٣) راجع كفاية الاصول : ٨٨ ـ ٩٠ ، وراجع ما قاله الفلاسفة في شرح المواقف ٨ : ١٤٧.