بناء على ما ذكرتم من كون الفعل مخلوقا لله تعالى وأن ليس للعبد تركه وإن قارنته إرادته ، إلّا أنّها ليس لها تأثير في تحقّق الفعل خارجا ، فهل تفرّقون بين حركة نبض الإنسان وحركة يده؟
فإن التزموا أن لا فرق بينهما أصلا فهو مكابرة مع الوجدان وليس عندنا دليل أقوى منه.
وإن زعموا أنّ هناك فرقا بينهما ، فنسألهم عن الفرق بينهما ، فإن أجابوا بأنّ هذا مقارن لإرادة العبد وذاك ليس مقارنا لإرادته ، فنقول : إنّ المقارنة من دون أن يكون لها تأثير في الفعل لا توجب فرقا ، فإنّ الإنسان إذا أراد حركة نبضه وقارنت حركته هذه الإرادة لا يكون لهذه الإرادة في حركة النبض أثر أصلا ، فلا يصلح هذا فارقا بينهما ، فلا بدّ من القول بعدم الفرق بينهما وأنّ هذا الأمر الوجداني صورة فرق وليس له واقع.
وهذا أمر معلوم الفساد بالبديهة أوّلا ؛ ولذا لو سقط حجر على رأس الأشعري لا ينتقم منه ، بخلاف ما لو لطمه لاطم فإنّه يخاصمه ويحاجّه ، وعلى مسلكه لا فرق بينهما.
وثانيا فلما ذا يعاقب الله العصاة على عصيانهم؟ وهل هو إلّا أنّ العبد صار محلّا لفعل الله تعالى كما يصير الجسم محلّا للسواد ومحلّا للبياض باختيار الصبّاغ ، فلما ذا يعاقبه الله تعالى؟
فإن كان جهة عقابه مقارنته للإرادة المتكوّنة للعبد ، فمع فرض عدم تأثيرها في الفعل أصلا ينقل الكلام إليها ، فإن كان الله هو موجدها فلما ذا يعاقب العبد على العمل الصادر مقترنا بها؟ وإن كانت هذه الإرادة أوجدها العبد نفسه فقد تحقّق الشرك الذي فرّوا منه ؛ إذ لا فرق بين الموجودات الخارجيّة والموجودات النفسيّة في كونها ممكنة تحتاج إلى موجد ، فإذا كان العبد هو الموجد لها تحقّق الشرك.