إذ قد يتحقّق التعبّدي بالمعنى الأوّل دون الثاني كما في قضاء الوليّ عن الميّت عباداته ، فإنّها تعبّديّة بالمعنى الأوّل لافتقارها إلى القربة دون الثاني ، لسقوطها بتبرّع الغير أو الاستيجار. وقد يتحقّق التعبّديّة بالمعنى الثاني دون الأوّل كما في ردّ السلام ، فإنّه لا يعتبر فيه القربة ، ويعتبر فيه أن يكون من المسلّم عليه مختارا محلّلا.
وكيف كان ، فلو علم أنّ الواجب تعبّدي بالمعنى الأوّل أو الثاني ـ كما في العناوين القصديّة كالتعظيم والتحقير وكما في الصلاة والصوم ـ أو توصّلي بالأوّل أو الثاني فحكمه واضح. ولو شكّ في ذلك فهل مقتضى الأصل التوصّلية أو التعبّدية؟ وهل هناك دليل لفظي يعيّن أحد الأمرين أم لا؟ وعلى تقدير عدم الدليل اللفظي فهل الأصل العملي يقتضي التوصّلية أو التعبّدية أو لا يقتضي شيئا منهما؟ ويقع الكلام في جهات :
الاولى : هل يقتضي التكليف صدور الفعل عن اختيار أم يكفي صدوره وإن لم يكن عن اختيار؟
ربّما يقال بأنّ مادّة الفعل مثل «ضرب فلان» منصرفة إلى ما لو كان الضرب اختياريا له ، أو أنّ الضرب الذي هو المصدر منصرف إلى الضرب الاختياري ، وهذه المادّة هي نفس المادّة المتحقّقة في ضمن فعل الأمر ، فيكون قوله : «اضرب» مثلا منصرفا إلى الضرب الاختياري الصادر بإرادة واختيار. وربّما يدّعى الانصراف من الهيئة ، بدعوى : أنّ هيئة فعل الأمر منصرفة إلى الفعل الاختياري الصادر بإرادة واختيار.
ولا يخفى عليك ما في هذين الدعويين ؛ إذ بعد استعمال الموادّ والهيئات في الفعل الاختياري تارة وفي غيره اخرى كما في قولنا : «مات زيد» و «وقع من السطح» وكذا قولنا : «اضرب زيدا» في غير الفعل الاختياري فأيّ سبب للانصراف؟ والانصراف إنّما يكون إمّا لضعف الفرد بحيث لا يعدّه العرف فردا له كما في مثل «دقّ الباب» حيث إنّه لضعف كونه تصرّفا انصرف التصرّف في مال الغير المنهيّ عنه إلى