وأمّا إذا لم يكن مقدورا فلا ريب في أنّ تعلّق التكليف بأمر غير اختياري يستدعي كونه مفروض الوجود ، مثلا إذا قال المولى : «إذا زالت الشمس فقد وجب الطهور والصلاة» يقتضي أن يكون زوال الشمس مفروض التحقّق ، وكذا فعليّة «صلّ إلى القبلة» تستدعي تحقّق القبلة في نفس الأمر ؛ إذ توجّه التكليف نحو الأمر الغير المقدور مستحيل ؛ لعدم محرّكيته حينئذ ، بل في بعض المقدورات أيضا كذلك ، إلّا أنّه منوط بفهم العرف مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فإنّ معناه : إذا تحقّق عقد يجب الوفاء به ، كما سلف في مقام الفعلية. فتوجّه الأمر مثلا بالصلاة حينئذ ينحلّ إلى أمر بالنيّة وبتكبيرة الإحرام وغيرهما من بقيّة الأجزاء وبقصد الأمر. وبما أنّ الأمر غير مقدور للمكلّف فلا بدّ من فرض تحقّقه ليقصده المكلّف ، وتحقّقه غير ممكن ؛ إذ لا يمكن أن يتوجّه الأمر بشرط تحقّق الأمر ؛ إذ معناه حينئذ : يجب الصلاة إن وجبت ، وهذا مستحيل ؛ لكون الوجوب مشروطا بنفسه وهو محال.
وهذا هو مراد الميرزا قدسسره : «أنّ الأمر ليس تحت قدرة المكلّف» لا «قصد الأمر» ليرد عليه ما أورده بعض الأساطين (١) : من أنّه ممكن للمكلّف ، فافهم. ومراده أنّ فعليّة الأمر غير ممكنة ، فلا وجه لما عن بعضهم من أنّ قصد الأمر ممكن بفرض الأمر ، فإنّه خلط بين مرتبة الإنشاء ومرتبة الفعلية ؛ إذ الفرض إنّما يجدي في مقام الإنشاء ، والفعليّة لا تتحقّق إلّا بعد تحقّق الموضوع الذي هو شرط فعليّته ، فإنّ شرط الفعليّة تحقّق موضوع التكليف ، وهذا غير ممكن لاستدعائه كون الوجوب شرطا لنفسه ، فافهم.
والجواب : أنّ ما ذكره قدسسره وإن كان متينا بحسب الكبرى ، فإنّ موضوع التكليف إنّما يكون مفروض الوجود حيث يقتضي فهم العرف ذلك ، كما في قولك : «إنّ نذرت يجب عليك الوفاء» وقريب منه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) أو حيث يكون خارجا عن قدرة
__________________
(١) أورده في المحاضرات ٢ : ١٥٧ أيضا ، والظاهر أنّ المراد هو المحقّق العراقي ، انظر نهاية الأفكار ١ : ١٩٧ ـ ١٩٩ ، ومقالات الاصول ١ : ٢٣٧ ـ ٢٤٢.