المكلّف كما في «صلّ إلى القبلة» ففي هذين الموردين يلزم كون موضوع التكليف مفروض الوجود ، إمّا بفهم العرف أو بالبرهان العقلي ، وهو قبح التكليف بغير المقدور. ولكن الصغرى ليست صغرى لهذه الكبرى المسلّمة ، فإنّ قصد الأمر ليس فهم العرف مقتضيا لكون الأمر مفروض الوجود ولا البرهان العقلي مساعدا على ذلك. ومن هنا التزمنا بفعلية أمر المحرّمات المقدور إيجاد موضوعها للمكلّف ، فنلتزم بفعلية تحريم الشرب للخمر لمن تمكّن من إيجاد الخمر خارجا وإن كان معدوما فعلا.
بيان ذلك : أنّ المولى يتصوّر ما يريد أن يعتبره في ذمّة المكلّف وما يكون واجدا للمصلحة الملزمة ، فيراه في عالم التصوّر أنّه عبارة عن هذه الأفعال الصلاتية وقصد الأمر الذي هو فعل نفساني ، فيوجّه الأمر نحو ذلك العمل المركّب ، فلا يفهم العرف كون الأمر مفروض الوجود ، ولا يلزم التكليف بالمحال ؛ إذ في ظرف الامتثال الأمر موجود ، والقدرة إنّما تعتبر في ظرف الامتثال لا في ظرف توجّه الأمر ، فليس العمل بقصد الأمر حينئذ تكليفا محالا أصلا ، فلا مانع حين إطلاق الأمر من التمسّك بإطلاقه ؛ لإمكان أخذ قصد الأمر فيه ولم يؤخذ ، فيكشف عن عدم دخله في تحصيل غرض المولى ، فيثبت توصّليّة المشكوك تعبّديّته وتوصّليّته بالإطلاق.
نعم ، في مثل الصلاة إلى القبلة لا بد من كون القبلة مفروضة الوجود ؛ إذ إنّها غير مقدورة للمكلّف بدون وجود القبلة ، بخلاف المثال المذكور ، فإنّ الأمر يتحقّق بنفس إنشائه الوجوب ، وقصد الأمر ممكن للمكلّف ، فإنّ قصد الأمر بما أنّه فعل نفساني [مقدور](١) للمكلّف ، فيتوجّه الوجوب نحو المركّب وينحلّ حينئذ إلى أمرين : أمر بذات الفعل ، وأمر بإيجاده بداعي الأمر الأوّل ، فيكون داعيا إلى إتيان الأوّل بهذا الداعي فيكون متمّما له. وهذا أمر ممكن منشؤه الانحلال الرافع لداعويّة الشيء إلى نفسه. وهو الوجه الثاني لاستحالة التقييد وهذا الوجه يقرر بوجوه :
__________________
(١) أضفناه لاقتضاء السياق.