أحدها : ما ذكره بعض المحقّقين ـ وهو الشيخ محمّد حسين الأصفهاني قدسسره (١) ـ إنّ داعوية الأمر إلى متعلّقة ذاتي له ، وأخذ قصد الأمر في متعلّقه يستلزم أن يدعو الأمر إلى داعويّة نفسه وهو على حدّ أنّ يكون الشيء علّة لعلّية نفسه [وهو] مستحيل.
ثانيها : ما ذكره صاحب الكفاية قدسسره (٢) أنّ أمر المولى بالتشريع مستحيل ، فإذا فرض أنّ أمره بالتشريع مستحيل فلا يكون العبد قادرا على امتثال الأمر الذي اخذ فيه قصد الأمر ، وذلك لأنّ أمر المولى بأن يأتي بالعمل بداعي الأمر المتعلّق به وإن كان ممكنا ، إلّا أنّ امتثال العبد مستحيل ؛ إذ لا أمر بالعمل المطلق حسب الفرض ، فإنّ الأمر قد تعلّق بالمقيّد ، فالمطلق لا أمر به كي يأتي المكلّف به بداعي أمره.
نعم ، لو جاز للمولى أن يأمر بالتشريع لأمكنه الامتثال ، إلّا أنّ التشريع قبيح عقلا فلا يأمر به المولى.
ثالثها : ما ذكره بعض المحقّقين ووضّحه آخر (٣) ، وملخّصه : لزوم الخلف لو أخذ قصد الأمر في متعلّقه ؛ لأنّ قصد الأمر بالعمل يستدعي أن يكون أمر بالعمل ، ولكن المفروض : أنّ أمر المولى قد تعلّق به مقيّدا ، فأخذ قصد الأمر موقوف على أن يكون العمل مطلوبا بنحو التقييد ، وقصد الأمر بالعمل موقوف على أن لا يكون العمل مطلوبا بنحو التقييد ، وهذا خلف.
والجواب عن هذه الوجوه الثلاثة يتوقّف على مقدّمة ملخّصها : أنّ غرض المولى ـ بل كلّ آمر ـ قد يتعلّق بشيء فيأمر به ولا غرض له إلّا أن يتحقّق ما أمر به كما إذا كان المولى ظمآنا فأمر عبده بإحضار الماء ، وقد يكون غرض المولى متعلّقا بإتيان
__________________
(١) انظر نهاية الدراية ١ : ٣٢٣ ـ ٣٢٥.
(٢) كفاية الاصول : ٩٥ ـ ٩٦.
(٣) انظر نهاية الدراية ١ : ٣٢٧.