هذا ، ولكن يمكن أن يقال : إنّ ما ذكر إنّما يدلّ على عدم أخذ كلّ واحد من هذه الامور بخصوصيّتها ، ولكن لا يدلّ على نفي أخذ الجامع ، فيكون العمل مطلوبا بشرط إضافته إلى المولى وتحقّق الصحّة مع قصد الأمر لتحقّق فرد من أفراد الإضافة إلى المولى. وحينئذ فلو سلّمنا عدم إمكان أخذ قصد الأمر ولكن أخذ الجامع بينه وبين بقيّة الدواعي القربية ممكن ، فبعدم أخذ الجامع يستكشف عدم توقّف الفرض على القربة. ولو سلّمنا عدم إمكان أخذ الجامع أيضا ، فالميزة بين التعبّدي والتوصّلي إنّما هو بأن يكون للتعبّدي أمران : أحدهما يتعلّق بذات الفعل والآخر بإتيانه بقصد القربة ، والتوصّلي يكتفى فيه بالأمر الواحد.
وتوضيح هذا بنحو لا يرد عليه ما ذكره صاحب الكفاية قدسسره (١) من حصول الغرض بإتيان متعلّق الأمر الأوّل فلا داعي إلى الثاني ، و [على فرض](٢) عدم الحصول فالعقل يكفي [للإلزام](٣) من دون حاجة إلى الأمر الثاني .. إلى آخره ، بأن يقال : إنّ الأمر الثاني المتعلّق بمتعلّق الأمر الأوّل يتصوّر بنحوين :
أحدهما : أن يتعلّق بمتعلّق الأمر الأوّل بنحو يكون الأمر الأوّل داعيا إلى متعلّقه مستقلا ويكون الأمر الثاني أيضا داعيا لكيفيّة من كيفيّات متعلّق الأمر الأوّل ، وحينئذ فيكون لكلّ واحد من الأمرين امتثال وعصيان وثواب وعقاب. وهذا نظير أن ينذر الإنسان أن يغسل ثوبه متقرّبا إلى الله تعالى فأمر الغسل بحاله داع إلى متعلّقه ، فإن غسل امتثله واثيب عليه وإن تركه عصى وعوقب عليه ، وأمر النذر أيضا بحاله في كونه داعيا إلى متعلّقه ، فإن قصد القربة بالغسل وفى بنذره وامتثل الأمر النذري واثيب عليه ، وحينئذ فلو غسل ثوبه متقرّبا اثيب بثوابين ، ولو غسله بلا تقرّب اثيب بثواب الغسل فقط ، فإن كان ناسيا لنذره مثلا فلا عقاب ، وإن كان ملتفتا فقد أخلف نذره فعليه العقاب والكفّارة.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٩٦ ـ ٩٧.
(٢) أضفناه لاقتضاء السياق.
(٣) في الأصل : بالإلزام.