باعتبار القطع بنجاسته الواقعية ارتفع موضوع الطهارة الظاهرية ، فهو من قبيل الأوامر الاضطراريّة والعناوين في كونه من تبدّل العنوان في الحقيقة ومن باب انقلاب الموضوع ، وقد أشار بقوله : «بل واستصحابهما في وجه قويّ» إلى ما اختاره من كون المجعول في الاستصحاب الحكم المماثل للحكم السابق كأصالة الطهارة وغيرها كأصالة الحليّة.
أقول : قد ذكر الميرزا النائيني قدسسره (١) عدّة إيرادات على ما ذكر صاحب الكفاية ، إلّا أنّ أكثرها غير وارد عليه ، ونحن لا نتعرّضها اقتصارا.
نعم ، يرد على ما ذكره إيرادان : أحدهما نقضي ، والآخر حلّي.
فالأوّل : هو أنّه إذا كانت أصالة الطهارة كما ذكرت تحكم على أدلّة الشرائط وتوسّعها إلى الظاهريّة والواقعيّة ، فينبغي أن يترتّب على مجراها جميع آثار الطهارة ولا يختصّ بخصوص الصلاة بالإضافة إلى الطهارة الحدثيّة ، فكان ينبغي أنّه إذا غسل بالماء المستصحب طهارته ثوب أن يحكم بطهارته حتّى بعد انكشاف الخلاف في الماء ؛ إذ انكشاف الخلاف كأنّه هو الذي نجّسه وإلّا فهو طاهر قبل انكشاف الخلاف وعند تنجّسه بانكشاف الخلاف لم يلاق الثوب كي يحكم بنجاسته ، ومن المعلوم : أنّ الثوب لا يحكم أحد بطهارته أصلا ، بل كان ينبغي الحكم بصحّة الصلاة فيما لو صلّى بطهارة بماء محكوم بالطهارة ثمّ انكشف خلافه ، ولا قائل من الفقهاء بالصحّة فيها أصلا.
الثاني : الحلّ ، وهو أنّ الحكومة في المقام وإن كانت مسلّمة ، إلّا أنّها لا توجب توسعة في الشرط واقعا ، بل أقصى إفادتها ترتيب آثار الطهارة على المشكوك ما دام الشكّ ، فإذا انكشف خلافه يرتفع أثره ويكشف عن عدمه من أوّل الأمر.
نعم ، بعض موارد الحكومة توجب التوسعة في الموضوع الواقعي مثل قوله : «كلّ مسكر خمر» بعد قوله : «الخمر حرام نجس» وبعض موارد الحكومة توجب التضييق في الحكم الواقعي مثل قوله : «لا حكم لشكّ الإمام إذا حفظ عليه
__________________
(١) راجع أجود التقريرات ١ : ٢٨٧ ـ ٢٨٩.