الخامس : دعوى الإجماع على الإجزاء ؛ إذ لو لا الإجزاء لذكر الفقهاء لزوم الإعادة والقضاء في موارد تبدّل رأي المجتهد ، ولم يذكروا ذلك أصلا ، فيستفاد حكمهم بالإجزاء ، وإلّا لذكروا ذلك.
وقد أجاب الميرزا النائيني قدسسره بتقسيم الموارد التي يتبدّل فيها رأي المجتهد إلى أقسام ثلاثة :
الأوّل : العبادات إعادة وقضاء.
الثاني : الأحكام الوضعيّة التي لم يبق موضوعها ولكن لها أثر ، كما إذا اشترى بالمعاطاة خبزا فأكله ثمّ ذهب إلى عدم إفادة المعاطاة الملك أو الإباحة ، فهنا الموضوع تالف ولكن له أثر ، وهو الضمان لصاحب المال التالف.
الثالث : الأحكام الوضعيّة التي موضوعها باق كما إذا بقي الخبز في المثال.
وزعم أنّ الإجماع القائم على الإجزاء متيقّنة تناول القسم الأوّل وهو العبادات أداء وقضاء ، كما أنّ القسم الثالث خارج قطعا عن الإجماع ، والقسم الثاني مشكوك الشمول.
وحيث إنّ الإجماع لا بدّ من إحرازه حتّى يكون حجّة ولا إحراز في القسم الثاني ، فيبقى على مقتضى القاعدة الأوّليّة من عدم الإجزاء (١).
أقول : ما ذكره قدسسره من قطعيّة شمول الإجماع العبادات لم نتحقّقه ، فإنّ الإجماع إنّما يتمّ التمسّك به وجعله دليلا حيث يتحقّق اتّفاق من قسم معتدّ به من العلماء بحيث يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليهالسلام. ولا بدّ أن لا يكون مدركهم دليلا معلوم الفساد عند المتأخّرين أو غير معلوم الصحّة ، وكلا هذين الأمرين مفقود في المقام.
أمّا الأوّل : فلعدم تعرّض من قدماء الفقهاء لهذه المسألة نفيا ولا إثباتا.
وأمّا الثاني : فمن الجائز أن يكون مدركهم دليل حجّيّة الحكم الظاهري ، وحينئذ فلا يكون إجماعهم مدركا يمكن التعويل عليه أو يمنع من الفتيا بالخلاف ؛
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ٢٩٩ ـ ٣٠٠.