ضرورة أنّ الجنس والفصل لا ينفكّ أحدهما عن الآخر ، فكلّ ما به الاشتراك ـ يعني المادّة ـ لا يتحقّق في الخارج إلّا في صورة وهي ما به الامتياز ، فلا يمكن أن يكونا وجودين انضماميّين كي يقع الكلام في أنّ أحد الوجودين مقدّمة للآخر أم لا؟
وأمّا القسم الثالث : وهو المركّبات الاعتباريّة ، يعني المركّبات التي لا ربط بين أجزائها إلّا باعتبار المعتبر لها شيئا واحدا ، أو باعتبار اجتماعها تحت أمر واحد ، أو باعتبار وفائها بغرض واحد كما في أجزاء الصلاة ، فإنّ النيّة ـ مثلا ـ أجنبيّ عن تكبيرة الإحرام ، وهما أجنبيّان عن القراءة ـ مثلا ـ وهكذا.
وقد وقع الكلام فيما بين الأعلام في ذلك ، فذهب بعضهم إلى أنّها ليست مقدّمة ، وآخرون إلى أنّها مقدّمة ولكن ليست بواجبة ولا داخلة في محلّ النزاع ، وآخرون إلى كونها مقدّمة وداخلة في محلّ النزاع.
أمّا الكلام في كونها مقدّمة أم لا؟ فالظاهر أنّ النزاع فيه لفظي ؛ لأنّه إن اريد بالمقدّمة «ما يتوقّف وجود ذي المقدّمة على وجوده» فمعلوم انتفاؤها في محلّ الكلام ؛ إذ ليس في المقام وجودان كي يتوقّف أحدهما على الآخر. وإن اريد بالمقدّمة ما يكون له تقدّم بالطبع ، وهو ما يتوقّف عليه المركّب ولا يتوقّف هو على المركّب كالواحد والاثنين ، فإنّ الواحد لا يتوقّف وجوده على وجود الاثنين ولكنّ الاثنين يتوقّف وجودهما (١) على وجود الواحد فإن اريد بالمقدّمة هذا المعنى فلا ريب في كون الجزء مقدّمة.
أمّا الكلام في كونه داخلا في محلّ النزاع أم لا؟ فظاهر قولهم : إنّ المشتاق إلى شيء مشتاق إلى ما يتوقّف عليه في الوجود بحيث يتوقّف وجود الواجب على وجوده كون النزاع مختصّا بالمقدّمة بالمعنى الأوّل ، فيختصّ بالمقدّمة الخارجيّة وتخرج المقدّمة الداخليّة عن محلّ النزاع.
__________________
(١) كذا ، والمناسب : وجوده.