غير اختياري ، لخروجه به عن كونه اختياريّا (١) ـ متين جدّا ، إلّا أنّه إنّما يتمّ في القضايا الخارجيّة ، لعدم توقّفها على موضوع ، فالحكم فيها إنّما يتوقّف على تصوّر المولى لمصلحته وبقيّة مقدّمات الطلب. ويتمّ كلامه أيضا في الحقيقيّة في مقام الجعل للحكم فقط ، فإنّ المولى في مقام جعل الحكم لا بدّ أن يتصوّر أنّ جعل هذا الحكم ذو مصلحة إلزاميّة فيجعله.
إلّا أنّ كلامنا إنّما هو في القضايا الحقيقيّة ؛ لأنّه هو محطّ أنظار الفقهاء ، والكلام فيها إنّما هو في الحكم في مقام المجعول ، ومعلوم أنّ الحكم حينئذ دائر مدار تحقّق موضوعه وانعدامه ، وتحقّق الموضوع وانعدامه أمران أجنبيّان عن المولى ، مثلا جعل الحكم الذي هو وجوب الحجّ على المستطيع أمر اختياري للمولى ، فلا بدّ من لحاظه بأطرافه والجزم بما فيه من المصلحة حتّى يجعله ، ولكن مقام المجعول الذي هو مقام فعليّة الحكم تدور مدار موضوعها الذي هو المستطيع ، فإن تحقّقت الاستطاعة بلغ الحكم مرتبة الفعليّة ، فإن انتفت ارتفعت حينئذ فعليّته ، وهكذا بقيّة الموضوعات.
ونظير ذلك في أفعالنا باب الوصيّة ، فإنّ الموصي يلحظ انقسام ثلثه مثلا إلى الإطعام وبناء المساجد ، فيجعله في ذلك ، وهذا مقام الجعل. ثمّ مقام الفعليّة دائر مدار تحقّق موضوع الوصيّة وهو الموت ، فمرادنا بشرط الحكم إنّما هو موضوعه ، وهل يعقل الحكم بكون الحكم فعليّا مع عدم فعليّة موضوعه؟ بل كان موضوعه متأخّرا عن حصوله ، فمثلا قوله : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ)(٢) فبجعل هذا الحكم لا يكون الإنسان مالكا لشيء ؛ لأنّ صرف جعل هذا الحكم لا يوجب الملكيّة ، بل إنّ الملكيّة التي هي الحكم الوضعي دائر مدار موضوعه وهو التجارة عن تراض ، فكما لا يعقل تحقّق الملكيّة قبل تحقّق التجارة عن تراض ، لا يعقل تحقّقها
__________________
(١) انظر كفاية الاصول : ١١٩.
(٢) النساء : ٢٩.