من أن يكون من قبيل الشرط المتأخّر أمر التدريجيّات ، فإنّ وجوب التكبير في الصلاة ـ مثلا ـ مشروط ببقاء قدرة المصلّي إلى السلام ، فالقدرة على السلام شرط متأخّر لوجوب التكبير ، لفرض ارتباطيّة الأجزاء وكون وجوبها ضمنيّا لا استقلاليّا.
نعم ، يبقى الكلام في مسألة إجازة الفضولي وأنّها بم تفي أدلّتها؟ فهل تفي بالكشف أم بالنقل؟ ولكنّه كلام في مرحلة الإثبات بعد الفراغ عن الإمكان في مرحلة الثبوت ، فيقع الكلام حينئذ فيما يستفاد من الأدلّة بخصوص المقام.
فنقول : إنّ ظاهر الآية المباركة وهي قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ)(١) أن يكون الحكم بالملكيّة موقوفا على أن يتحقّق الموضوع بتمام قيوده كما في الصرف والسلم الموقوف تحقّق الملكيّة فيهما على قبض العوضين أو خصوص الثمن ، فينبغي أن يكون تحقّق الرضا بعد ذلك موجبا لتحقّق الملكيّة من حين تحقّق الرضا ؛ إذ لا يصير العقد منسوبا إليه إلّا بعد تحقّق الرضا منه ، فلا بدّ من أن يلتزم بكون الإجازة اللاحقة ناقلة كما في القبض في الصرف والسلم. ولكن بما أنّ الإجازة والرضا المتأخّر من الصفات النفسيّة الحقيقيّة ذوات الإضافة ، ضرورة أنّ الرضا لا بدّ من أن يتعلّق بشيء مرضيّ به ، والشيء المرضيّ به هو الملكيّة السابقة ، وحينئذ فهذا هو الفارق بين الإجازة في العقد الفضولي حيث تكون الإجازة فيه كاشفة ، وبين القبض في الصرف والسلم حيث لم يتوهّم أحد فيهما الكشف أصلا ، فإنّهما لم يتعلّقا بأمر سابق كما في الإجازة ، فإذا أمضى الشارع الرضا اللاحق فمقتضى الرضا اللاحق هو ترتّب آثار الملكيّة من حين صدور العقد ، ضرورة أنّ الرضا بالعقد صيّر العقد منتسبا إلى المجيز من حين صدوره وتحقّقه. وحينئذ فمقتضى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ترتّب الآثار عليه من حينه ، أي من حين صدور العقد.
__________________
(١) النساء : ٢٩.