وقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(١) يقيّد التكليف فيبقى الملاك على إطلاقه. وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في محلّه تبعيّة الدلالة الالتزاميّة ، فإذا قيّدت المطابقة بالحكم العقلي والشرعي بالقدرة قيّد الالتزام بهما ، فلا يبقى على إطلاقه حينئذ. ولزوم القضاء مع اختصاصه بما يقضى من المؤقّتات إنّما هو لوجود ملاك أصل الفعل بعد انعدام ملاك الوقت.
وأمّا القسم الثاني : وهو ما كانت القدرة قيدا للملاك ، فهي على أنحاء ثلاثة :
الأوّل : أن تكون القدرة آناً ما ولو قبل زمان الواجب قيدا للملاك ، وعليه فيجب إبقاء القدرة حينئذ أيضا ، لتحقّق الملاك بالقدرة آناً ما ، وتفويت الملاك كتفويت الخطاب في القبح. والجواب أنّه كبرى مسلّم ، إلّا أنّ الكلام في الصغرى.
الثاني : أن تكون القدرة دخيلة في الملاك بعد تحقّق بعض المقدّمات ، فيجوز تفويت القدرة قبل تحقّق ذلك البعض لا بعدها وقبل زمان الواجب. وقد مثّلوا لذلك بالحجّ ، فإنّ القدرة قبل تحقّق الاستطاعة يجوز تفويتها لا بعدها. وهذا المثال يتمّ إذا قلنا باستحالة الواجب المعلّق ـ كما ذهب إليه الميرزا النائيني قدسسره (٢) ـ أمّا بناء على إمكانه فعدم جواز التفويت لفعليّة الوجوب وإن تأخّر زمان الواجب ، وحينئذ فهو أجنبيّ عن محلّ الكلام.
الثالث : أن تكون القدرة دخيلة في الملاك في زمان الواجب ، فيجوز التفويت قبل ذلك قطعا ؛ ضرورة أنّ المكلّف بتفويته القدرة يخرج نفسه عن موضوع التكليف ، فلا يكون مكلّفا ولا مفوّتا للملاك ؛ لعدم تحقّق فعليّة الملاك في حقّه أصلا.
وبالجملة ، فهذه الأقسام وإن أمكنت في مقام الثبوت ويختلف الحكم باختلافها أيضا ، إلّا أنّ إثباتها غير ممكن فيجوز التفويت للقدرة في جميعها ، فافهم وتأمّل.
__________________
(١) البقرة : ٢٨٦.
(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٠١ و ٢١٨.