وفرّق بينهما بأنّ ترك التعلّم لا يلزم منه ترك الواجب في ظرفه ، بل قد يترك وقد لا يترك. بخلاف غيره ، فإنّ ترك المقدّمة التي لا يقدر على فعل الواجب بتركها صيّر الواجب غير مقدور ، فيكون شروعا في المعصية من الآن ، فيعاقب من الآن ؛ لعدم مقدوريّة فعل الواجب في ظرفه.
أقول أوّلا : قد يكون ترك التعلّم ملازما لترك الواجب في وقته كبقيّة المقدّمات ، كمن لم يتعلّم الصلاة وكان غير عربي ، فإنّه لا يمكن أن يتعلّم الصلاة بعد دخول وقتها ويصلّي ، فهو محال عادة ؛ لاحتياج التعلّم إلى مدّة طويلة.
وثانيا : أنّ صيرورة الفعل غير مقدور لا يحقّق معصية بالفعل ، والعقاب إنّما هو على المعصية ، فمن ألقى رجلا من شاهق لا يكون قاتلا له قبل أن يصل إلى الأرض فيموت ؛ ولذا لا يجوز القصاص منه حينئذ ولا أخذ الدية أصلا. فالظاهر أنّ العقاب في ترك التعلّم الموجب لترك الواجب وفي ترك المقدّمة المفوّت للواجب في ظرفه هو عند حصول ترك الواجب النفسي ؛ إذ حينئذ تتحقّق المعصية وعدم القدرة عليه قبل وقته ليس بنفسه معصية بل الترك في ظرفه معصية ، فحينئذ يستحقّ العقاب.
الأمر الثاني : أنّه ذكر الشيخ الأنصاري قدسسره فسق تارك التعلّم في مسائل الشكّ في الصلاة والسهو اللذين يبتلى بهما المكلّف غالبا (١).
فهو إمّا مبنيّ على كون التعلّم واجبا نفسيّا لنفسه وأنّ ترك التعلّم حينئذ كبيرة من الكبائر. أو مبنيّ على كون التجرّي كبيرة من الكبائر. أو مبنيّ على الفرق بين مسائل الشكّ والسهو ممّا يبتلى بها المكلّف غالبا ، فتركها مستلزم لترك الواجب وهو الصلاة. بخلاف غيرها ، فإنّ تركها ليس مستلزما لترك الواجب ، لندرة الابتلاء بها.
__________________
(١) صراط النجاة : ١٧٥ ، مسألة ٦٨٢.