والجواب أوّلا : أنّ الشروط ـ كما قدّمنا ـ لم يتوجّه التكليف نحوها ، وإنّما توجّه التكليف نحو تقيّد الواجب بها بأن تكون ظرفا له ، وهذا أمر مقدور للمكلّف ، ونفس الشرط هو التقيّد أمّا ذات القيد فهي غير داخلة في حيّز التكليف أصلا. وحينئذ فلا تكليف بغير المقدور. نعم ، ما ذكره من كون القيد راجعا إلى الوجوب أيضا متين على ما قرّرناه ، إلّا أنّ استحالة الشرط المتأخّر قد عرفت بطلانها وأنّ الشرط المتأخّر ممكن كما مرّ ، بل واقع ، بل ضروري كما عرفت بالإضافة إلى أجزاء العمل المتلاحقة ، فإنّ وجوب الأجزاء الاول مشروط بالقدرة على الأجزاء المتأخّرة في ظرفها ، وهو واضح كما مرّ.
الثالث : من وجوه استحالة الواجب المعلّق عبارة عن مقدّمتين :
الاولى : أنّ الإرادة التشريعيّة على حدّ الإرادة التكوينيّة إمكانا واستحالة ، فكلّ ما أمكن تعلّق الإرادة التكوينيّة به أمكن تعلّق الإرادة التشريعيّة به ، وكلّ ما استحال استحال ، ولا فرق بينهما إلّا أنّ الإرادة التكوينيّة تتعلّق بفعل نفس المريد والتشريعيّة تتعلّق بفعل الغير.
الثانية : أنّ تعلّق الإرادة التكوينيّة بأمر متأخّر مستحيل فكذا التشريعيّة.
وقد أجاب عن هذه المقدّمة الثانية في الكفاية بأنّ تعلّق الإرادة التكوينيّة بالأمر المتأخّر لا مجال لإنكاره فكذا التشريعيّة (١) فانقلبت دعوى الاستحالة إلى الإمكان. ومن ثمّ ذكر الميرزا النائيني قدسسره في المقدّمة الثانية عوض ما ذكرنا : أنّ تعلّق الإرادة التكوينيّة بأمر غير مقدور ومقيّد بغير مقدور مستحيل ، سواء كان متأخّرا أو متقدّما أو مقارنا (٢).
والجواب عن هذه المقدّمة الثانية بكلا وجهيها أنّه ما المراد من الإرادة؟
__________________
(١) انظر كفاية الاصول : ١٢٨.
(٢) انظر أجود التقريرات ١ : ١٩٢ ـ ٢٠١.