فإن كان المراد منها الشوق الذي هو من صفات النفس فتعلّقه بالأمر المتأخّر وبالأمر الغير المقدور ممكن. وكم نشتاق زيارة الحسين عليهالسلام في الأيّام المتأخّرة عن زمن الاشتياق! وكم نشتاق إلى فعل الغير! وإن كان المراد منها الاختيار الذي هو من أفعال النفس فتعلّقه بالأمر المتأخّر والغير المقدور مستحيل في الإرادة التكوينيّة ، إلّا أنّ المقام ليس متعلّقا بالقيد كما مرّ وإنّما تعلّق بالتقيّد وهو أمر مقدور. هذا حال الإرادة التكوينيّة وأمّا التشريعيّة : فتعلّقها بفعل الغير بالمعنى الأوّل ممكن ، وبالمعنى الثاني لا يمكن ؛ إذ لا معنى لاختيار فعل الغير إلّا حمله على الاختيار المنافي للتكليف.
هذا كلّه حال الإرادة ، وقد ظهر أن لا وجه لعدوله ـ يعني الميرزا النائيني قدسسره ـ عن التقرير الأوّل في المقدّمة الثانية إلى التقرير الثاني ؛ إذ هما سواء في الإمكان إن اريد بالإرادة الشوق وبالاستحالة إن اريد بها الاختيار.
وأمّا الإيجاب فهو أجنبيّ عن الإرادة ؛ إذ هو ليس إلّا عبارة عن اعتبار فعل في ذمّة المكلّف ، وهو كما يمكن أن يكون اعتبار فعل حالي ، كذا يمكن أن يكون اعتبار فعل استقبالي في ذمّة المكلّف من غير فرق بينهما ، وقد مثّلنا لذلك في العرف بأن يستأجر زيدا غدا لصوم بعد غد ، فيملك عليه من حين إجراء العقد العمل في اليوم المعيّن له. ولا يخفى أنّ الكلام في الإيجاب من أوّل الأمر أولى من جعل الكلام أوّلا في الإرادة ثمّ بعد تلك المناقشات يرجع الكلام إلى الإيجاب.
وبالجملة ، فقد ظهر أنّ تعلّق الإيجاب بالأمر المتأخّر ممكن ، وكذا تعلّقه بالمقيّد بقيد غير مقدور إذا كان التقيّد مقدورا ، وإلّا لزم عدم الأمر بجميع المؤقّتات ؛ إذ الوقت غير مقدور ، وهو كما ترى.
بقي أمران لا بأس بالتنبيه عليهما :
أحدهما : أنّه قيّد صاحب الفصول (١) الواجب المعلّق بما كان معلّقا على أمر
__________________
(١) الفصول الغرويّة : ٧٩.