الغيري إثباتا لا بدّ فيه من تقييد الوجوب أو الواجب. فمثل الشيخ لا بدّ أن يلتزم بتقييد الواجب به ؛ لأنّه لا بدّ من أن يقيّد الوجوب أو الواجب في الغيري ، ومع تحقّق هذا التقييد في بعض أدلّة الواجب الغيري يحمل المطلق عليه حيث لا يحتمل فيه وجوبا نفسيّا وغيريّا معا ، بل كان هناك وجوب واحد ليس إلّا ، فوجود المقيّد كاشف عن تقييد المطلق ومثبت له ومثبت الأصل اللفظي حجّة قطعا.
(ويمكن تصوير التمسّك بالإطلاق على مذهب الشيخ بصورتين :
إحداهما : أن يكون الوجوب المشكوك قد انشئ بالمعنى الاسمي القابل لأن يقيّد ، فإذا لم يقيّد يتمسّك حينئذ بالإطلاق في إثبات كون الوجوب نفسيّا.
الثانية : أن يتمسّك بإطلاق ما يكون ذلك الوجوب الغيري على تقديره مقدّمة له ؛ إذ لا بدّ أن يقيّد وجوبه بالتقيّد بالثاني ، فإذا لم يقيّد وأوجب مطلقا دلّ على أنّ وجوبه غير منوط بتحقّق ذلك التقيّد ، ومثبت الأصل اللفظي حجّة قطعا) (١).
إنّما الكلام حيث يتردّد الأمر وليس إطلاق لفظي إمّا لكون الدليل لبّيا وإمّا لكون الكلام مهملا أو مجملا ، فحينئذ يرجع إلى ما تقتضيه الاصول العمليّة.
وقد ذكر الآخوند قدسسره (٢) أنّ مقتضى الأصل العملي حيث يشكّ في كون الواجب نفسيّا أو غيريّا هو البراءة ، حيث يكون ما هو مقدّمة له على تقدير الغيريّة غير واجب.
وقد أشكل الميرزا النائيني قدسسره (٣) عليه بأنّ المقام نظير دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر ، فإنّ الأقلّ لا يكون مجرى للبراءة ؛ للعلم بوجوبه قطعا إمّا ضمنيّا وإمّا استقلاليّا ، فالمقام من هذا القبيل أيضا ، فإنّ المشكوك واجب قطعا وإن تردّد بين
__________________
(١) ما بين القوسين من اضافات بعض الدورات اللاحقة.
(٢) كفاية الاصول : ١٣٨.
(٣) أجود التقريرات ١ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠.