أمّا المقدّمة الثانية وهي أنّ عدم المانع من المقدّمات فلا ريب فيها ؛ إذ إنّ المقتضي والشرط وعدم المانع أجزاء للعلّة ، والمعلول إنّما يتحقّق بعد تمام علّته. وإنّما الكلام في المقدّمة الاولى يعني في الصغرى ، فنقول : هل وجود أحد الضدّين مانع من وجود الآخر وعدم أحد الضدّين مقدّمة لوجود الآخر أم لا؟ فنقول : الأقوال في المقام خمسة :
الأوّل : منع المقدّميّة من الطرفين ، فلا عدم أحد الضدّين مقدّمة لوجود الآخر ولا وجود أحدهما مقدّمة لعدم الآخر (١).
الثاني : القول بالمقدّمية من الطرفين ، وهو ظاهر كلام الحاجبي والعضدي (٢) ، حيث منعا اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضدّ الخاصّ بإنكار وجوب المقدّمة ، فيظهر منهما الاعتراف بأنّ ترك أحد الضدّين مقدّمة ، إلّا أنّ المقدّمة ليست بواجبة ، وردّا شبهة الكعبي (٣) ـ القائل بعدم المباح بدعوى أنّ ترك المحرّم موقوف على فعل أحد الأضداد الوجوديّة ـ أيضا بعدم وجوب المقدّمة. فيظهر منهما تسليم المقدّميّة أيضا. ولا يخفى أنّ تسليم المقدّميّة في المقامين دور ظاهر.
القول الثالث : أنّ العدم موقوف على وجود الضدّ ولكن وجود الضدّ ليس موقوفا على عدم ضدّه (٤).
__________________
(١) هذا هو مختار النائيني ، انظر فوائد الاصول ١ و ٢ : ٣٠٦.
(٢) انظر شرح مختصر الاصول : ٢٠٢ ـ ٢٠٣.
(٣) انظر المصدر المتقدّم ، وهداية المسترشدين ٢ : ٢٨٣ ، ونهاية الوصول : ٩٩.
(٤) نسب هذا إلى المحقّق القمي في القوانين ١ : ١٠٨ ، والسبزواري في ضمن الرسائل : ٦٠ ـ ٦١ وغيرهما. انظر فوائد الاصول ١ : ٣٠٦.